شرق أوسط تعددي يحترم تنوع الهويات أساسا للسلام والتنمية

أساس إشكالية التنوع تبدأ ببصمة الإنسان نفسه حيث يتحتم وجود حال تفرد لكل منا في هوية تلك البصمة وتنمو وتتعقد ظاهرة التوع والتعددية مع ولوجها عوالم مضافة من حيواتنا حتى نجد أنفسنا بمجابهة مع قضية التنوع البشري قوميا عرقيا دينيا وبكل المحاور والمستويات الوجودية ما يفترض أن نبحث عن احتواء إيجابي لذياك التنوع ووسائل منع تحولاته التناقضية التي تصل بنا لحافة الاحتراب بمنظور يرى وجودنا مختلفا متقاطعا.. فكيف نقرأ القضية ومعطياتها الإشكالية؟؟؟

شرق أوسط تعددي يحترم تنوع الهويات أساساً للسلام والتنمية


د. تيسير عبد الجبار الآلوسي

يدرك العراقي والسوري واللبناني مثلما المصري والسوداني وغيرهم من شعوب منطقة الشرق الأوسط طابع التعددية في بنية وجودية لتلك الشعوب؛ ما يشترط على مكونات الشعوب أن تتحاور بجدية لما يوفر أرضية بناء السلام ومنطلقات التنمية حيث التعايش واحترام الآخر بحجم وجود التنوع الإنساني وتوافر الظاهرة بنيوياً في مجتمعاتنا.
إنَّ الاحتفاء بالتنوع الثقافي لا يكتفي بخلق أرضية الإثراء بميدانه حسب، بل يشكل فرصة موضوعية عميقة ومميزة لما يلعبه الحوار بمستوياته العابرة للحدود الوطنية بين دول المنطقة وشعوبها وأنماط الخطابات الثقافية وسطها وبينها؛ بما سيزيح كمّ الالتباس والضبابية في التفاهمات.. وهكذا سيدفع الحوار الذي أشرنا إليه للتو على أساس احترام التنوع للانشغال بتلبية قضايا السلام والتنمية المستدامة لا التخندقات خلف متاريس الاحتراب.
ومن هنا تم إطلاق الإعلان العالمي للتنوع الثقافي ليمثل الاعتراف بـ “ضرورة تعزيز الإمكانية التي تمثلها الثقافة بوصفها وسيلة لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة والتعايش السلمي على الصعيد العالمي “.وفي ضوء ذلك فإن الحوار بإطار خطاب التنوع الثقافي هو ما يؤسس لتنمية الذاتين الفردي والجمعي بسلامة وبعيداً عن الاحتقان والتأزم..
في الوقت ذاته، نشهد شرقأوسطياً حقيقةَ تحول التنوع لا إلى مستوى الاختلاف بل إلى الخلافات والصراعات غير المبررة. بعضها دفع لحروب أهلية وأخرى كانت في نطاق تسويق جرائم إبادة جماعية لمجرد كون الضحية من غير وجودنا القومي أو الديني أو المذهبي ومن ثم لاختلاف الثقافة وتنوعها سواء داخل حدود الوطن أم بإطار الشرق الأوسط باتساع أطرافه وتراميها.. فيما شكلت مستويات أبعد أسباب حروب المنطقة التي كان فيها بعضهم تدفعهم مبررات يتوهمها وجودية في صراعه غير المبرر مع الآخر الموجود معه في المنطقة فيسعى لإفنائه كليا وجوديا.
وعراقيا شهدنا مثل ذلك، من جرائم الإبادة الجماعية مثلما اشتعال أوار حروب أهلية بأسسها القومية مرة والمذهبية في أخرى. أذكّر هنا بما طاول الكورد في ثمانينات القرن الماضي مثلا والإيزيدية في حروب التكفيريين الدواعش وبعد 2003 مازالت طرية دماء سالت في مطاحن السجون السرية والتغييب القسري وفي الاقتتال الطائفي بمستوياته كافة إذ تمَّ إفناء عشرات آلاف خلف متاريس زعماء الحرب وأطماعهم القائمة على إذكاء نيران التعارض والخلاف والاصطراع بخطابات مشحونة بقيم تتعارض ومنطق التعايش واحترام التنوع الثقافي وغيره من الخطابات الإنسانية..
ما ينتظرنا يكمن في أنشطة غير نمطية يمكنها أن تأخذ زمام المبادرة لمكافحة تلك الخطابات المحتدمة بخاصة منها خطابات مؤسسات طائفية النهج أو حكومية تصادر صوتها شخوص عنصرية تمارس أسلوب التمييز واختلاق ذرائع الكراهية..
من هنا كان للحركات الشعبية الديموقراطية أن تُنعِش آمال التعايش السلمي وحوار الثقافات عبر مؤسساتها الجمعوية وروابط العمل الجماهيري.. على أننا شرق أوسطيا يمكننا التعويل أيضا وبقوة على حكومات أوجدت وزارة للسعادة وإدارات للتعايش السلمي ولتقارب الثقافات بأسس إنسانية كما فعلت حكومة دولة الإمارات في إشاعة فلسفة التسامح واحترام التنوع الثقافي..
إن التمسك باحترام التنوع الثقافي يشكل مقدمة لبلوغ الأمن والأمان بين أبناء الشعب باختلاف انتماءاتهم وتمكين حالات الانفتاح بين المكونات وطنيا والاندماج بينها كما سيمثل ذلك تمكينا للأمن الدولي وحال التفاعل إيجابا بين متنوع مسارات الثقافة على نحو مستدام.. وهذا لا يمكن أن يتم ويُمارَس من دون الالتزام بالمبادئ الإنسانيّة المتعارف عليها والمثبتة في العهود والمواثيق الأممية الدولية: مثل حفظ كرامة الإنسان وتنشيط روح المشاركة والتضامن محليا وطنيا وأمميا في إقليم الشرق الأوسط مثالا، حيث تعد منظومة القيم هذه أساس التعايش الإنساني وإطلاق شروط التنمية بما يخدم الإنسان والإنسانية..
فلتنطلق مجالس تنسيق ولجان التنوع الثقافي وليتم مؤازرتها من مجامع اللغات العربية وغيرها ولنفتح ممثليات للقوميات والشعوب الناطقة بلغات غير العربية في مؤسسات الجامعة العربية لتكون نموذجا يشرعن منظومات قيمية متمدنة تضارع ما تدعو إليه المنظمات الدولية وقوانينها السامية في الأنسنة..
فهلا تفكرنا عميقا وتدبرنا النهج قبل أن يستفحل بلاء التطرف وخطاب الكراهية!؟ ولنبحث عن وسائل شرق أوسط أخضر في منظومة قيم تعايش متنوع شعوبه ومكوناتها مثلما بحثنا عن شرق أوسط أخضر بيئيا.

***************************

المقال بموقعي الفرعي [تيسير عبدالجبار الآلوسي] بالحوار المتمدن

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=798805

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *