السعادة وارتداداتها بين شعوب العالم ولدى الإنسان فردياً جمعياً

تتقدم البشرية نحو تسخير العلوم ومنجزاتها في خدمة الإنسان كما تتجه نحو تلبية مطالب التنمية البشرية بمختلف ميادينها عبر بناء شخصية الإنسان فرديا جمعيا بصورة تؤمِّن له الحقوق والحريات ومن ثم الرفاهية التي تجعله يشعر بسعادة أن يكون إنسانا وأن يحيا بمنطق الأنسنة وسلامة وجوده وانعتاقه من أي شكل للتشوّه والخذلان والاستغلال.. لكن عديد النُظُم السياسية الحاكمة مازالت تتحكم بالإنسان المواطن بوصفه عبدا رقا تستغله ولا تريد أن تسمع له حشرجة أو تذمرا أو طبعا ولا احتجاج ما يحبط كثيرا من شعوبنا ويضعها بحال من عيش التعاسة واحتجاب مشاعر السعادة عنها!! هنا حصرا باتت السعادة قيمة يُحتفل بها بقصد تفعيل وسائل البحث في تلبية ما يحققها ويستجب لمن ينبغي أن يحيا بها سعيدا فما هي ظروف الإنسان المعاصر؟ وتحديدا ما ظروفه عراقيا وفي المنطقة؟ هل يمكننا أن نقرأ الحقيقة التي يقدمها مؤشر السعادة العالمي؟؟ دعونا نتابع ونرصد الواقع وحقائقه والمؤمل في ضوء ذلك

السعادة وارتداداتها بين شعوب العالم ولدى الإنسان فردياً جمعياً

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 

*((بعد أيام وتحديدا يوم 20 من الشهر الجاري كما في كل عام تحتفل شعوب العالم باليوم الدولي للسعادة عيدا كرنفاليا لسجل ما حققته باتجاه ذاك الشعور الأهم للإنسان في توازنه مع ذاته ومحيطه… فهل هذا هو ما سيحصل مع العراقية والعراقي!؟ أم أن الأمور سارت طوال العام المنصرم من سيء إلى أسوأ!!؟ لنقرأ ما ورد هنا بصورة موجزة ونضع تفاعلاتنا سواء شعوريا مع أنفسنا أم بمشاركتها مع الآخر بما سنكتب ونتفاعل))

 

ربما التفت بعضنا يوماً متسائلا عن تعريف السعادة الحقيقية التي تقف وراء شعور يحس به أو يدركه سواء بشكل عابر وهي بهذه الحال ليست السعادة باصطلاحها كما يدل عليها ثبات ذلك الشعور ومرافقته للمرء بمسيرة حياته.وهكذا سنجد أن السعادة الحقيقية باختصار لمجمل رؤى المتخصصين: (هي شعور داخلي يظهر تعبيراً عن الرضا والاستمتاع ببمحيط المرء وصحبة من يحيا وسطهم ومن ثمّ فإنّ هذا الشعور هو إحساس غامر بالسلام الداخلي والطمأنينة أو التناغم والانسجام مع النفس، بما في ذلك تحقق الانسجام والتوازن في العقل والجسد والروح.. وهكذا فالسعادة الحقة ليست امتلاك الأشياء والسيطرة على الآخر ولكنها حجم الشعور بالرضا عن الذات في وجودها وعلاقاتها بمحيطها وبيئتها..

دعونا نؤكد مجدداً على أسباب السعادة بوصفها شعور ينبع من أعماق الإنسان وكيف يفهكها ويدركها ويتعامل معها، الأمر الذي يستند إلى فلسفته أو رؤيته ونظرته إلى الأمور التي يعيشها ويجابهها؛ لهذا يمكننا أن نؤكد أن الثراء المادي المالي لا يُغني عن التعاسة عند بعضهم ممن يشكو  الاكتئاب والضجر، بخلاف المبتسم لحياته رغم عدم امتلاك ثروة الأول.. وهنا أشير إلى دور القناعة بما بين اليدين، لكن بالتأكيد وحتماً، ليس على أساس أوهام لا تتعامل وحاجاته الجوهرية في عيش حر كريم وبالمناسبة فهذا الشعور من تلك الأحاسيس التي تنتقل طاقتها بـ(العدوى) وبشكل سريع ملموس ملحوظ..

وتعزيزاً لفهم السعادة والشعور أو الإحساس بها وتمكين الإنسان منها لابد من لفت النظر إلى أنها رديفة لتلبية حاجاته واطمئنانه لتحقق (الرفاهية) ومن هنا فقد جاءت مبادرات مهمة من قلب آسيا ومناطق أخرى في العالم ليأتي قرار الجمعية العامة ذي الرقم A/RES/66/281 المؤرخ في 12 تموز\يوليو 2012، الذي تبنى يوم 20 آذار\مارس بوصفه اليوم الدولي للسعادة وذلك اعترافا من المجتمع الدولي وجمعيته الأممية بأهمية السعادة والرفاه بوصفهما قيمتين عالميتين، يتطلع إليهما الإنسان ومجتمعاته في كل أنحاء العالم، بكل ما يستدعيانه من مقاصد السياسة العامة.  وفي ضوء تلك الحقائق نهضت الدول المعنية بشعوبها بمهام تعزيز الاستقرار والسلام وقيم الرخاء والرفاهية التي يمكنها خلق شعور الرضا والقناعة أو الإحساس بالسعادة بتعبير آخر..

ومنذ سنوات غير بعيدة بات للسعادة معيار أممي يفاضل بين ما تحقق للشعوب ويضع تسلسلا مناسبا لما تحقق أو سيتحقق. وبهذا الميدان كانت دولة الإمارات العربية بمقدم تلك الدول التي قرأ المؤشر العالمي للسعادة مكانها ومكانتها الأولى عربيا فيما تجاوزت بلدان عديدة عالميا بموقعها الـ21..

وبعكس ذلك تماما وجدنا أن دولة أفغانستان وبعدها لبنان شعر شعباهما بالحزن والأسى والتعاسة بخلفية انعدام الاستقرار والسلم الأهلي وغياب حاجاتهما وتفكك الروابط في المجتمعين وتمزق الأسر والانفصام بين المرء وبيئته أو محيطه بكل مفردات البيئة من كوارث ونكبات..

وإحساس الأسى والتعاسة يخلق إحباطاً يفرض هزال البدن وضعف المناعة مع دوام التوتر بخلاف السعادة فإنما تساهم في احتفاظ الجسم بحيويته ومرونته أو لياقته، وتوجه الإنسان لتناول الصحي مما يفيده مع ممارسة الرياضة، ما يعزز المناعة وجهازها ويحول دون الشعور بالجوع العاطفي المرتبط بالتوتر.

حسناً، ما موقع العراق والعراقي في تسلسل مؤشر السعادة وما الأسباب؟

تذيَّل العراق عالميا وعربيا كؤشر السعادة فاحتل المرتبة 109 بين دول العالم، وفي المراتب الأخيرة عربياً مقارنة بأسعد شعوب العالم، علما أن المؤشر كان قد قيَّم مستويات أكثر من 140 دولة..

وعلى الرغم من ثروات العراق فإن اقتصاده بمنظومته الريعية منتهك بنيوا بمختلف المشكلات ومن أخطرها ما يراه ويعيشه المواطن أمام عينيه من حجم فساد فرض سطوته على النظام حتى بات نموذجا كليبتوقراطيا بالتمام وبحراسة العنف الدموي وتفشي الجريمة بمختلف أشكالها ما أفقده الأمن والأمان وخلخل بنيته الاجتماعية بالمخدرات وغيرها وفكك العوائل ودفعها للانهيار بالطلاق وغيره أمام أعتى ما تجابهه من ضغوط خطيرة..

إن افتقار البلاد للاستقرار والسلم الأهلي ولأي شكل من اشكال الأمن جعل المواطن فيه بحال من التوتر والقلق والغضب والاتسام بالتعاسة بدل الاقتراب من عتبة مؤشر السعادة ببلد غني الثروات لكنه يفتقر لاستراتيجيات البناء والتنمية والاهتمام بالإنسان حتى أن هذا المواطن مقيد بأغلال أقرب للعبودية المقننة بأعراف الدين السياسي التي تحرمه من أي ممارسة حياتية سوية وطبعا تصادر اتزانه وانسجامه مع أبسط شروط العيش ومن أجل تسليط الضوء على هذي الحال التعسة جاء مؤشر السعادة ليكشف الواقع المرضي ويعيد للشعوب المحرومة فرص أن تحيا بكرامة وسعادة..

جاء المؤشر ليفضح أباطيل قوى التضليل باسم المقدس تلك التي تشترط ان يرضخ الإنسان لقدر محتوم لم تُنزل به ديانة من سلطان غير أنها عبثية التغطير على سرقة ما ينتجه ومشاغلته بتفاصيل العيش سلبيا..

بلى إن الاحتفال بهذا اليوم عالميا يأتي لزيادة الوعي بأهمية السعادة للإنسان والإنسانية وهو ما أدركه ويدركه الشعب العراقي مثله مثل شعوب العالم ولابد قريبا أن يتحقق التغيير المنشود لصنع سعلدته وأسبابها

فهل سنلتفت إلى أولوية تلبية محددات سعادتنا قبل فوات أوان؟

تحية لكل الشعوب التي حققت سعلدتها وإلى الشعوب التي مازالت تكافح من أجل الوصول لأفضل المؤشرات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي  يُراد منها (إنهاء الفقر وخفض درجات التفاوت بأشكاله الطبقية الاقتصادية والاجتماعية والتباين في فرص الحصول على ما يبني الشخصية الإنسانية وحماية الكوكب ومجمل ظروفه البيئية) وتلك  الأهداف التي نوردها هنا إنما تمثل في مجملها جوانب رئيسة يمكنها أن تؤدي إلى الرفاه والسعادة.لمن يسعى إليها بجهد مستحق وواجب

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

تعليقان (2) على “السعادة وارتداداتها بين شعوب العالم ولدى الإنسان فردياً جمعياً”

  1. أنا حزينٌ لأنني حزين،
    وسعيدٌ لأنك سعيد..
    تُرى هي فرحةٌ لي لمْ تتم؟
    أَم حزنٌ بائتٌ لك؟
    أَم مزادٌ علنيٌّ للإنسانية؟
    #ض_ط
    – تحية من الروح لروحك العامرة بالحرية والوداد.
    ضياء طمان

  2. لحظة اطلعتُ على تلكم الومضة الإبداعية ربما القصية كما يبدو من منطوقها الظاهر إلا أنها الغنية الثرة في باطن ما اكتنزته من معانٍ ودلالات. وكم يجذب مثل هذا الإبداع بجمالياته القارئ القارئ…
    ألآ ما أروع ما انسكب من أمواه الروح الصوفي الخلاق في فضاءاتنا المتباعدة بجغرافيا أماكنها؛ لكن الأماكن تأبى إلا أن تعانق ما أبدعت لأنه خير تعبير جمالي بمحمولات الفلسفة وأنوار العقل العلمي، لما حاولت قراءتي المتواضعة أن تبثه في ثنايا معالجة جمالية تسامت في عرضها الرؤية بكثيف اللغة الشعرية.. وإني أيها الصديق الذي يُفتخر به، لممتن لرائع الكلم وصادق ما أتى به .. وتحايا لألق روعتك إنسانيا وإبداعيا شعريا. تقبل محبتي وتقديري لقامة صديق عبر أثير الروح الإنساني وتلكم هي قامة الأستاذ ضياء طمان وقد قدمتها طلاسم أحرفه وسحرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *