تنطلق احتفالية الأول من آيار مايو من كل عام وراياتها العمالية الحمراء ترفرف عالياً مع شعارات تؤكد التمسك بالكفاح الطبقي والوطني الأممي لشغيلة العراق مثلما شغيلة العالم من قسمي العمل ومضانه شغيلة اليد والفكر وما تعنيه نضالاتهما وكفاحهما المضني من أجل التحرر والانعتاق وتلبية قيم العدالة الاجتماعية.. لقد تعرض عمال العراق طوال ربع القرن المنصرم لأشكال من العذابات والمعاناة بين تلك الطبقية وغيرها مما يقبع بخلفية الاستعباد وامتهان الكرامة وهم اليوم يواصلون الكفاح على الرغم من العسف والضيم والظلم بأبشع وحشية وأقساها.. ولعل أبرز تلك الشعارات التي هم بحاجة للتمسك بها تكمن في الهوية العمالية المستباحة وفي الاستقلالية وحقوق التنظيم الحر ووحدة الطبقة ونسيجها وقوانين حمايتها ونظام اقتصادي يشكل مظلة لتلبية المطالب والحاجات بصورة عادلة لا لبس فيها.. هذه معالجة موجزة بالمناسبة بكامل التضامن مع شغيلة الوطن والعالم مع منتجي الثروة لا مستهلكيها بصورة القطيع الخانع الخاضع لقوانين استعباده واستغلاله..
شغيلة العراق بين المعضلات البنيوية للاقتصاد العراقي ومعاناتهم وتشوهات ما يُفرض عليهم قمعيا
تيسير عبدالجبار الآلوسي
بات العراق ذلك البلد الذي احتل مراتب عليا من المستوى المتوسط اقتصاديا بين دول العالم أو ما يمكن تسميته مجازا الغنى بخلفية ثرواته، بات اليوم بظروف مزرية بمختلف مؤشرات الاقتصاد ومستويات العيش فيه..
إذ تراجعت الزراعة مع انهيارات بيئية بشأن حصصه المائية المتجاوز عليها واحتباس الأمطار وارتفاع درجة الحرارة بمعدل عام وتفاقم مستويات التصحر التي التهمت سنويا أكثر من 100 ألف دونم لتنحدر نسبة الأراضي الزراعية إلى أقل من النصف وحتى المتبقي تفاقمت به الملوحة لتنخفض إنتاجيته دع عنك ما يجابه الفلاح بشأن التسويق وما يعترضه حتى في إنتاج الخضراوات إذ تجتاح السوق منتجات دول جوار معروفة… وبشأن نخيل العراق فلم تجد أرض السواد وغاباته التي تغطيه أي أثر لاهتمام فعلي غير التحدث عن مشروعات لم تُعِدْ 25 مليون نخلة تم إعدامها في حروب البلاد ومنها جرائم تجريف البساتين والغابات لصالح بدائل غير محسوبة الأثر استراتيجيا وما بقي من الملايين الستة أو الثمانية بأبعد التقديرات ليست جميعها مثمرة أو غير مندرجة بإمكانات مكافحة الأمراض المعروفة لها بخاصة مع إهمال خطير للمختبرات النوعية المطلوبة..
وفي ميدان الصناعات فإن ما يناهز تقريبا العشرين ألف مشروع صناعي متوقفة منذ 2003 حتى يومنا وبعدما كانت البلاد دخلت فضاءات التصنيع بميادين عديدة أطيح بها وحتى الـ227 مصنعا تابعة للقطاع العام فإن النشط منها فعليا لا يتجاوز نصفها والصناعة بعامة تواجه مشاكل استثمارية وأخرى بنيوية سواء للقطاع العام أم الخاص.. وبهذه الأجواء المتراجعة فإن عشرات آلاف شغيلة اليد والفكر قد تمَّ تسريحها لتضاف إلى جيش البطالة التي وصلت نسبتها حدوداً غير مسبوقة بخاصة هنا من النساء والشبيبة..
وبين نسب البطالة وتعاظم حجم عمال المساطر والمعتمدين على الأعمال الهامشية من الكسبة وباعة متجولين من جهة وبين تدني نسب الأجور وتضخم العملة وانهيار القدرة الشرائية تفاقمت نسب الفقر حتى فاقت أكثر من نصف المجتمع إذ وصلت بسنوات لما يقارب الـ90% كما كان بمحافظة المثنى التي مازالت حتى يومنا تحتل موقع المحافظة الأفقر بنسبة أكثر من 50% ومعها محافظات الديوانية وبابل وغيرها في ظروف الفقر والفقر المدقع بما ارتفع بفجوة الفقر لحدود لم يشهدها العراق الحديث في أسوأ ظروفه..
إنَّ شغيلة البلاد تتعرض لهجمة شرسة تتسم بالوحشية منها أن شغيلة الفكر تعرضت للتصفيات الجسدية والابتزاز وتشويه التركيبة العاملة باختراقها بعناصر مرضية لا تمتلك مؤهلات العمل بميدانها وفُرِضت إدارات توجه الأمور بطريقة لا تُنتج سوى مزيد تجهيل وعناصر محشوة بمنطق الخرافة والتخلف.. وهكذا وجدنا سياقات عمل غير سوية حتى أن نظام التعاقد المجاني لم يحظَ بحلول مناسبة بل أضيف فوقه ظاهرة تأخير رواتب العاملين الفعليين وتركهم لأسوأ ظروف العيش وامتهان الكرامة..
لقد جابهت الشغيلة ظروفا قاسية سواء بممارسة ضغوط تستغل (القانون) كما قوانين النظام السابق بشأن تحويل العمال إلى موظفين ومنع عمل النقابات والجمعيات العمالية بصورة عرقلت بتأثير فج وسلبي خطير أوقعت النشاطات العمالية بمطبات المصادرة والإلغاء وبذرائع الحظر (القانوني) الذي يعتدي على كل جهد للدفاع عن المصالح الطبقية..
وبمحاور المعاناة وظروف الطبقة العاملة يمكن أن نسجل لشغيلة العراق اليوم المشكلات الآتية:
- أولى معاناة الطبقة العاملة تتعلق بحماية هويتها في ظل منظومة تعاديها وجودياً سواء باستغلال طابع النظام السياسي أم هوية الاقتصاد الريعي وحجم الاختراق البنيوي للفساد بدءاً برسم الموازنات بما يتلاءم وإدامة النظام المافيوي وليس انتهاءً بتعثّر خطط الاستثمار مع نهب حصص الاقتصاد التشغيلي..
- مع تفاقم المشكلات الاقتصا-اجتماعية وتعطيل الدورة الاقتصادية تتعاظم معضلات البطالة الكلية والمقنّعة وحجم الفقر أفقيا عموديا حيث مخاطر فجوة الفقر ومعانيه في توسيع نسب الفقر المدقع..
- تشوّه ملامح الحماية الاجتماعية والافتقار للضمان الاجتماعي وانحداره لأدنى المستويات فعليا بخاصة بظروف التلاعب بتطبيقات القوانين لكن مع ذرائع اجترار ماضويات صادرت وتصادر الحقوق المشروعة.
- تجابه الطبقة العاملة تخريب مستويات التطور المعرفي وإفشاء منطق الخرافة وثقافة ظلامية للتخلف.. ونضيف هنا ظواهر تجاوز دورات التأهيل ونشر المعارف والعلوم وتشويه الثقافة العمالية بترهات التقسيم الهيكلي لوجودهم مجتمعياً بصيغة توصيف فئات منهم على أنهم موظفين على سبيل المثال لا الحصر..
- اختلاق أشكال التمييز بين النساء والرجال من منطلق التمييز الجندري الجنسي بما ينصب على سرقة الأجور مرةً واختلاق فضاء الابتزاز والاستغلال والتحرش وغيرها مما يلحق بالتمييز..
- رسم أداءات (التقاعد) بقوانين ولوائح تلغي حقوق العمال لتضع ذلك بجيوب الأوليغاركية بطرق ملتوية من الفساد وأشكال الاستغلال وامتهان الكرامة..
- وهناك مسارات استغلالية موغلة في ضيمها وظلمها للشغيلة ومصالحهم لعل بينها ظاهرة العمل بالسخرة في ظروف تشغيل فئة عمالية تعمل من دون مقابل سوى الوعود الوهمية المضللة!
- تشغيل الأطفال في أعمال محظورة على الأطفال لخطورتها عليهم ومن ثمّ استغلال ذلك في ممارسة الضغوط على مجمل الطبقة العاملة ولا ننسى هنا ظواهر التحرش والابتزاز والاستغلال لهذه الفئة الهشة حدّاً يجري الاتجار بهم أنفسهم..
- استغلال آخر باستقدام العمال الأجانب بكل ما اختلقه ذلك من مشكلات للطبقة العاملة العراقية من جهة ولهم أنفسهم من جهة أخرى سواء بابتزازهم ومساومتهم إلى حد جرائم الاعتداء الجنسي على العاملات بلا حماية أو توفير أية قوانين رعاية؛ سواء باستغلال قضية (الإقامة) أم أية قضايا استغلالية أخرى..
- حظر الاحتفالات العمالية وتحول اليوم العالمي لمنصة احتجاجية أكثر منها احتفالية بسبب الويلات التي تتعرض لها الطبقة العاملة.
- حرمان الطبقة العاملة من تنظيمات غير مشوهة أو مخترقة ومن ثم حرمانها من إقامة العلاقات الوطنية والإقليمية والعالمية بمختلف التلاعبات الجارية مع تمرير ممارسات للتغطية على المجريات والحقائق..
وإذا أردنا التحدث اليوم عن مراجعة جدية مسؤولة في اليوم العالمي للطبقة العاملة فإننا نشدد على أن المجتمعات بخاصة منها مجتمعات التخلف كما العراق قد باتت تحت سطوة تشوهات بنيوية تلغي الطبقي مثلما إلغاء الوطني وهما جناحا كفاح الشغيلة، تلغيهما لصالح تشوهات البنية الطائفية للدولة والمجتمع وتصادر بذلك فرص بناء التنظيمات النقابية الطبقية العمالية مثلما تفرض قيودها على مسار الكفاح من أجل وجود حقيقي لحزب عمالي ولا نقول حزب يهتم بالعمال لأن الأول يتشكل بنيويا بمستوى التنظيم عماليا وبمستوى الفكر العمالي بمنهجه وطروحات الحلول والبدائل التي تتقدم فيها المحددات الطبقية بجانب الوطني وهنا نبقى بحاجة فعلية للارتقاء ببرامجنا وهويتها العمالية ولتعزيز التنظيمات بصورة يمكنها أن تتصدى لمسؤولية وقف التخريب المجتمعي للبنى الطبقية بامتداداتها الوطنية والأممية..
إنني أتطلع مع جمهور غفير من قوى التحرر والكفاح الطبقي والوطني إلى ضرورة الالتفات مجدداً لأهمية المعارف والعلوم في كفاح الشغيلة وإلى أهمية ثقافة التنوير وطابعها الطبقي والوطني الأممي بما يتلاءم وحجم المسؤوليات التي تنجح في بناء الذات النضالي والاتساع نحو البنى الفعلية للمجتمع على أساس ثقافة علاقات إنتاج تنتمي للعصر لا لتعطيل يمرَّر عبر التجهيل واختلاق الانفصام مع التطور العاصف لوسائل الإنتاج وما تتطلبه ولعلاقات إنتاج متحررة من التشويه والاستغلال الذي وصل اليوم حد اجترار منظومة الاسترقاق والاستعباد وإدارة حيوات الناس بصور وحشية بلا وسائل كفاحية تتناسب وما هبطت إليه الأوضاع من انحدار..
فلتكن احتفالية العام الجاري موسومة بشعارات تتبنى مصادر الانتماء للعصر علميا معرفيا وثقافيا فكريا بما يحافظ على الهوية الطبقية الأكثر صوابا وسلامة للتعامل مع متغيرات العصر ومتطلباته.. بجانب الانعتاق الوطني والاستقلالية التي لا ترضخ لعبث قوى الكربتوقراط الديني مزيفة الإيمان بقصد التضليل والتمكين للاستغلال..
والثقة وطيدة بقوى العمل والعمال من منتجي الثروة لا مستهلكيها بصورة القطيع المضلل..
عاش العمال عاش يومهم الأممي نبراسا لكفاح من أجل الإنسان وكرامته وقيمه الأسمى..
المقال كما ورد في طريق الشعب العدد 109 ليوم الخميس الأول من آيار 2025
Tareeqelshaab109may1طريق الشعب العدد 109 الخميس الأول من آيار 2025 يوم العمال العالمي
المقال في موقعي الفرعي ((5441500)) بالحوار المتمدن
***************************
اتحاد الطبقي والوطني يصارع الاستغلال الطائفي القبلي في العراق
في الغد تحتفل الطبقة العاملة بيومها الأممي العالمي وبين انتصارات ومنجزات لنضالاتها الطبقية والوطنية وعمقهما الأممي وبين تراجعات وانكسارات تقف الطبقة العاملة العراقية أمام مشهد كارثي أليم وقاس بخاصة في التراجع الشامل بمعطيات العيش الحر الكريم من جهة اجتماعيا مهنيا وانتكاس البنى التركيبية الطبقية أمام التخريب المفتعل المزعوم للبديل الطائفي القبلي الذي يراد له أن … متابعة قراءة اتحاد الطبقي والوطني يصارع الاستغلال الطائفي القبلي في العراق
بمناسبة اليوم العالمي للعمال: جانب من آثار الحرب والسلام على الشغيلة
للتضامن وسائله وأدواته طبعا بعد التوكيد على ضرورته وعلى أنه الأداة الرئيسة في النضال العمالي بخاصة اليوم مع محاولات الرأسمال توحيد قواه لقمع الكفاح من أجل حياة حرة كريمة للشغيلة.. والتضامن قوة مضافة للانتصار ومن هنا كان يوم الأول من آيار وكانت دلالاته ومعانيه ولربما في إطار او سياق التضامن المنشود هناك أولويات يحملها ذاك … متابعة قراءة بمناسبة اليوم العالمي للعمال: جانب من آثار الحرب والسلام على الشغيلة
رسائل إلى شغيلتنا بمسيرة كسر قيود الظلم والظلام
بمناسبة الأول من آيار مايو أكتب بعض رسائل موجزة عاجلة إلى شغيلتنا بمسيرة كسر قيود الظلم والظلام.. لا أقصد خروجهم اليوم عراقيا بمسيرة بل بتظاهرة تعشقها فضاءات ميادين الحرية بمختلف أرجاء الوطن.. لا تأخذ شرعيتها ولا إجازتها من مفسد مضلِّل بل من حقها في التعبير عن هويتها ووجودها هي طبقة منتجي الحياة والخيرات.. أكتبها بأمل … متابعة قراءة رسائل إلى شغيلتنا بمسيرة كسر قيود الظلم والظلام
***************************
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير