حول كتاب (تطور العنصرية في الاتحاد الأوروبي) للدكتور كاظم حبيب قراءة للأستاذ مديح الصادق

مقالة لاستعراض كتاب الدكتور كاظم حبيب (تطور العنصرية في الاتحاد الأوروبي) وتسليط الضوء على مفرداته كتبها الأستاذ مديح الصادق قبيل مدة ونعيد وضعها بين أيدي القراء لأهمية الكتاب في ظروف المتغيرات العاصفة سواء في أوروبا أم العالم وما يعنيه خطر العنصرية وصعود نجمها وما يقف خلفه بالتوفيق في اطلاعكم وفي تقريب الكتاب والتعريف به بالقدر الذي الأعمق من الوقوف عند استعراضه المهم

في مكتبات العراق وشارع المتنبي للكتب

الكتاب الجديد بجزئين للدكتور كاظم حبيب

تطور العنصرية في الاتحاد الأوروبي

دراسة تحليلية نقدية للنظريات العنصرية وممارساتها ضد الإنسانية

الجزء الأول: واقع واتجاهات تطور العنصرية والعداء للأجانب في بلدان الاتحاد الأوروبي

الجزء الثاني: المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أوروبا: ألمانيا نموذجاً  

دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر والتوزيع 2020 – بغداد

تقديم

بقلم الأستاذ الأكاديمي مديح الصادق

العنوان هو البوابة التي من خلالها يلج القارئ كي يطوف في ثنايا ما يحتويه الكتاب من حقائق وما ضمَّنَ الكاتب فصوله من بنود وحقائق وأرقام وأسماء وعناوين تدعم ما أراد الوصول إليه؛ أما ونحن في حضرة عَلَم له يشار بالبنان في مجال اختصاصه، وفيما أنجز من مؤلفات كان منهجها الموضوعية والتجرد والحقائق العلمية الموثوق بمصادرها، وما تؤشر له نشاطاته الفكرية والثقافية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق الأقليات القومية والدينية بما كتب عنها من مؤلفات، وما مارس من نشاطات، ولعل الاطلاع على سيرته الذاتية يُغني عن الإسهاب؛ فلا بد أن يكون هاجسُنا، بما بين أيدينا منه؛ الثقة المطلقة والاطمئنان.

بين أيدينا له كتابان؛ لقد تناول أستاذنا الباحث، الدكتور كاظم حبيب، المقيم في ألمانيا، في كتابه الأول موضوعة (النظريات العنصرية وممارساتها ضد الإنسانية) من خلال دراسته التحليلية النقدية؛ مبتدئاً من حيث كانت الضجة العالمية مؤخراً في أمريكا التي أشعلتها حادثة خنق المواطن الأسود (جورج فلوريد) على أيدي رجال الشرطة هناك؛ ما يسمى (العنصرية الجديدة القديمة) وعلاقتها بجذور التمييز العنصري في أمريكا، الذي سبق الحرب الأهلية، وكان المفروض إنهاؤه  بإعلان الرئيس (لنكولن) تحرير العبيد، 1863، لكن العبودية حتى بعد اغتيال مارتن لوثر 1963 والفصل العنصري ضد السود، وتحدي (روزا باركس) للتمييز، وصدور قانون الحقوق المدنية 1964، ثم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1969؛ لم ينته فعلياً، ومرجع ذلك، حسب الكاتب، سياسات النيوليبرالية، والعولمة الرأسمالية، والعسكرة المتفاقمة، وتفاقم الهوة بين الغنى والفقر، وأشار إلى أن البطالة، والفرق بين السود والبيض، التمييز في القطاع الصحي، وقطاع التعليم، التمييز في تعامل المحاكم والشرطة؛ هي أهم ما يعانيه السود في أمريكا، مع وجود عوامل إيجابية خلقت تغيرات في المجتمع الأمريكي.

ينتقل الباحث إلى بلدان الاتحاد الأوربي ليقدم لنا دراسة عن (ماضي فكر وممارسة العنصرية في أوربا) التي كانت محصورة فيمن يجلبون أسرى في الحروب، أو يحكم عليهم بالديون، وتعتبر أفكار (أرسطو طاليس) التي تنص على أن الإنسان إما يولد سيداً أو عبداً؛ سنداً للفكر والممارسة العنصرية، كما ساهم بذلك اتهام المسيحيين لليهود بقتل السيد المسيح، وقد عمق ذلك ما جاء في العهد القديم بأن أحفاد يافث بن نوح، الآريين؛ هم في المرتبة العليا بين أحفاد سام، الآسيويين، وأحفاد حام، الأفريقيين.

بمنهجه العلمي التحليلي؛ يعرض العنصرية بنظرياتها وممارساتها ومواقفها الحديثة، من بروزها في عصر النهضة في أوربا، وجذورها في العهدين القديمين، الإغريقي والروماني، وهم يتفقون على أن البشر يولدون إما أحراراً أو عبيداً، دعمت ذلك نظرية (أرسطو طاليس)، وما قام به بعض رجال الكنيسة، خصوصا الكنيسة الإسبانية، وما قدم باحثون من دراسات في القرن السابع عشر، تُقسِّم البشر على أساس الأعراق، حسب ألوان البشرة، بيضاء، حمراء، صفراء، وسوداء، وأن غير البيض أقل درجة من البيض في الذكاء والحيوية والنشاط، وهناك آخرون قسَّموهم حسب شكل الوجه وتقاسيمه، وباقي أجزاء الجسم، وساهمت نظرية دارون في ذلك إلى حد كبير، وقد وظفت الدول الأوربية الكبرى هذه الدراسات في غزواتها الاستعمارية لشعوب أفريقيا وآسيا، وإخضاع شعوبها وثرواتها لسيطرتها، وجندت أبناءها في احتلال بلدان أخرى، أما الحزب النازي في ألمانيا بقيادة هتلر؛ فقد استند عليها في قتل اليهود والسنتي والروما، ومهَّد لجرائمه بتصفية الشيوعيين والاشتراكيين والقوى الديمقراطية المسيحية، إضافة إلى معاداته للإسلام والمسلمين.

لقد اتسمت الفترة من بداية العقد الثامن من القرن الماضي بتصاعد هذه الأفكار والسياسات بعد أن شهدت تراجعا عقب الحرب العالمية الثانية، وإذا كانت العنصرية بالأمس تتحدث عن التباين البيولوجي؛ فهي اليوم تتحدث عن التباين الثقافي والحضاري بإحلال مصطلح الإثنية بدل العرق، وهي تركِّز على تفوق الأوربي على غيره من شعوب العالم، ولابد من الفصل بين الثقافات لحماية ثقافته، وقد كان دور اليمين المحافظ واليمين المتطرف والنازية الجديدة في اتجاهين: سلبي يرفض وجود الأجانب إطلاقاً، وعدم قبولهم، وإيجابي يقبلهم على شرط انصهارهم مع ثقافة أوربا.

أشار الباحث إلى دور التغيرات السياسية في العالم، سيطرة أمريكا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بروز الصين كمنافس اقتصادي لأمريكا، واستفحال دور الليبرالية الجديدة؛ الذي انعكس على نشوء أحزاب تخشى من نشوء أقليات قومية ودينية إثنية أو عرقية في أوربا، ونبَّه للتميز العنصري لدى الشرطة الذي ينمّ عن وجود أحكام مسبقة ضد الأجانب، خصوصا المسلمين، مع أمثلة لحوادث في النروج وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والنمسا وباقي بلدان الاتحاد الأوربي، وتفاصيل لكل منها.

لم يهمل الكاتب الإشارة إلى الخلفيات الفكرية والنفسية للعنصرية في أوربا، إضافة إلى اتجاهات التطور في المجتمعات الرأسمالية، ودور الدولة في تشريع القوانين ووضع القواعد التي ترسِّخ فكرة (الأنا) النرجسية الصارخة على حساب (الآخر) الذي تراه الأقل في المستوى؛ تمهيداً للسيطرة، وبسط النفوذ، وتبرير الحروب، ومحاربة الشيوعية والمنظومة الاشتراكية؛ باستناد (الأنا) لسلطة المال والاستغلال، من خلال دعم النخب الحاكمة، وأيديولوجيتها، ومثقفيها؛ لخلق هذا الوعي العنصري في المجتمع، بالاستناد (لأفكار مسبقة) تجاه مجموعات بشرية محددة، وتبرير ما يرتكب ضدها.

لقد تطرق إلى تأثير المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، البطالة، الاحتيال، التزوير، الرشوة، الفساد، اغتصاب النساء والأطفال، محاولات الانتحار والقتل، وتقلّص القوة الشرائية؛ حيث يعزو المتطرفون هذه المشاكل للقادمين على بلدانهم، ليبرِّروا تنصيب العداء لهم، ومن الوسائل الداعمة لتعميق التمييز العنصري (وسائل الإعلام) من خلال رسم صورة (للأنا) على حساب (الآخر) باستغلال الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، والوسائل المرئية والمقروءة والمسموعة؛ لرسم صورة بشعة للأفريقي، أو العربي، أو المسلم.

إن إشكالية المجتمع (متعدد الثقافات) لها حلولها الجاهزة من قبل قوى اليمين المتطرف؛ إذ هي ترى في ذلك خطراً جسيما ًعلى ثقافة السكان الأصليين، خصوصا في ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وهنكاريا؛ حيث يعيش مهاجرون من شمال أفريقيا، وعرب، وكرد، ولكل منهم إرثه الثقافي والحضاري، والحل من وجهة نظر المتطرفين؛ الانصهار في ثقافة البلد الذي يؤويهم، والكاتب يرى أن في إقامة المجتمع المدني حلّاً جذرياً لتلك المعضلة، كما في التجربة الكندية ومقومات المجتمع المدني الديمقراطي العلماني، متعدد الثقافات؛ فيها.

أما كتابه الثاني الذي خصَّ به النموذج الألماني إذ تطرق للمخاطر الجديدة لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة، الذي تؤكده تصريحات قادة الاتحاد الأوربي، وأحزاب المعارضة الديمقراطية، ومسؤولون في مجلس الوزراء الألماني، وأبحاث وكتب ومجلات،  في حين تهمل أجهزة الدولة الرقابة عليها، مع تنامي دور التظرف الإسلامي السلفي، الداعي للخلافة الإسلامية والتعصب الديني؛ فتوجِّه جهودها الرقابية نحو قوى اليسار والديمقراطية، ما ساعد على تنامي مفاهيم اليمين المحافظ، واليمين المتطرف، والنازية الجديدة، وتصاعد تأثيرها في ألمانيا، وأوربا عموماً، وما تبذله لتحويل الصراع العالمي إلى صراع حضارات وأديان؛ لتغطية عيوب النظام الليبرالي الجديد، والعولمة الرأسمالية، مع الكشف عن علاقة تلك الأحزاب في ألمانيا وأوربا بنظيراتها في أمريكا، وما يفعله الرئيس الأمريكي الجديد ترامب وحزبه الحاكم من ممارسات عنصرية شوفينية مكشوفة، مدعوماً بالقوى والأحزاب اليمينية المتطرفة في أمريكا.

تناول الباحث بالتفصيل العوامل الملموسة وراء النهوض الجديد لليمين المتطرف والنازية الجديدة في ألمانيا:1- سياسة النيولبرالية الاقتصادية المتشددة. 2- تنامي البطالة. 3- اتساع فجوة الدخل السنوي بين الفقراء والأغنياء. 4- تراجع مستوى الخدمات. 5- استمرار الهجرة مؤخرا إلى المانيا. 6-التضييق على قوانين اللجوء السياسي.7- ردود الأفعال تجاه المسلمين السلفيين المتطرفين ونشاطاتهم الاستفزازية للمسيح واليهود.

لم ينسَ الباحث ذكر الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة التي شهدت تنامياً وصعوداً في ألمانيا، بأسمائها، خلفياتها، نشاطاتها، وتأثيرها على الساحة، كما ركَّز على ما سمِّي (حزب البديل) اليميني المتطرف، إذ انبعث منه الحزب الجديد (حزب التحالف من أجل التقدم والانبعاث) الذي ضمّ أقصى اليمين المتطرف والنازيين الجدد المعادين للأجانب واللاجئين عموماً، والمسلمين خصوصاً، ومعارضة الاتحاد الأوربي، والرؤية القومية المتطرفة لدور ألمانيا؛ أوربياً وعالمياً، وأصبح القوة الثالثة في البرلمان، بتوجهاته العنصرية الشوفينية، وهناك حركة تلتقي مع أهدافه وتوجهاته، الحركة اليمينية المعادية للمسلمين (بكيدا)، وتلتقي هذه الأحزاب مع مثيلاتها في أوربا وأمريكا، وتتلقى الدعم المالي والعيني من جماعات غنية وشركات وشخصيات رأسمالية، في ألمانيا والخارج.

أهداف هذه القوى: 1- إقامة دولة نازية على نموذج الدولة الهتلرية. 2- التمسك والدفاع عن الرأسمالية، والنهج النيوليبرالي، والاستغلال، ومصادرة الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة. 3- التمييز بين الشعوب والهيمنة عليها واعتبارها أقل قيمة من الشعب الآري

وأساليب عملها:

1- الرموز التي تعبّر عن القوة والجبروت والشجاعة والحرب والروح العدوانية. 2- بيانات وكراسات وكتب وشعارات تحرض على العداء والكراهية ضد الأجانب والمسلمين، وضد قوى اليسار. 3- تقنيات حديثة وأقراص مدمجة. 4- لقاءات واجتماعات ومظاهرات. 5- الشتائم القبيحة والكلمات المستهجنة. 6- العنف في مواجهة المتظاهرين والقوى المناهضة لهم. 7- التهديد بإجراءات إرهابية. 8- إشعال الحرائق في بيوت المستهدفين وتدميرها. 9- الاغتيال الفردي والجمعي. 10- تنظيم المظاهرات والتجمعات التي تخدم أغراضهم. 11- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

هنا يورد الباحث تسلسلاً لجرائمهم، حسب التواريخ والأماكن والمناسبات، ولم يغفل تأثير الجالية الإسلامية في ألمانيا وأصولها من تركيا والدول العربية وإيران وأفغانستان وباكستان والهند والشيشان وتعدادهم خمسة ملايين، وهناك نسبة قليلة منهم أسماهم (الإسلاميون السلفيون) الذين يستغلون المساجد والجمعيات الدينية والمدارس بدعم من بعض الدول الإسلامية، خصوصا السعودية وقطر، ويدعون لإقامة دولة الخلافة ومحاربة المسيحية واليهودية، واعتمادهم الفكر الوهابي، وما يثير من حقد تجاه المسلمين عموما، تستثمره قوى اليمين المتطرف والنازيين الجدد؛ لإثارة العداء ضد المسلمين عموماً، لا سيما هناك جرائم إرهابية ارتكبها السلفيون المسلمون في مناطق متفرقة من ألمانيا، وتشكيلهم ما يسمى شرطة الشريعة في بعض المناطق.

في معرض مخاطر تنامي هذا التيار؛ حدّد الكاتب المخاطر التالية وراء تنامي التيار اليميني المتطرف والنازية الجديدة على ألمانيا: 1- تهديد الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي والتجاوز على الدستور. 2- تنامي وجود التيار في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.

3- مخاطر تصدع الوحدة الأوربية وعملتها وتطورها الاقتصادي.

أما سبل مواجهة فكر وسياسات وممارسات هذه القوى وقوى التطرف الإسلامي فهي:

1- توسيع الحياة الديمقراطية. 2- التمييز بين أطياف اليمين واليمين المتطرف العنصري. 3- الكفاح الفكري والسياسي. 4 استعادة ثقة الجماهير التي فقدتها بالحكومة. 5- توحيد الأحزاب والقوى الديمقراطية في ألمانيا ببرنامج عمل مشترك. 6- محاربة الفكر الإسلاموي المتطرف بنفس الوسائل والحزم.

البحث مدعوم بملاحق، ووثائق، وأرقام وجداول إحصائية، وأسماء وعناوين لشخصيات وأحزاب ومنظمات وحوادث، وهو يشكل وثيقة دامغة لأخطر تيار عنصري متطرف، كانت ذريعته تفوق العنصر (الآري)، أحفاد (يافث)؛ على باقي البشر، وتميز الإنسان الأبيض بميزات لا يملكها غيره، فكانت له ثقافته التي لا تقبل الاختلاط بالآخر؛ بل تؤهله لأن يكون سيِّداً على شعوب العالم التي تقع دون منزلته، فيبسط سلطانه عليها بالقوة، وينهب خيراتها، ويسلخها من حضاراتها وثقافاتها، ويسخِّر لأغراضه الإنسان فيها، وهو الذي يحدّد النظام الاقتصادي العالمي الذي يخدم أغراضه، كما أن الكاتب كشف بالحقائق وسائل هذا التيار وممارساته، وحذَّر من أخطاره، الآنية والمستقبلية، إنه جهد مميَّز يستحق النشر والاهتمام، والاستناد عليه.

مديح الصادق

كندا – تموز – 2020

*****************************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحةتوكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *