أهمية حصر الأحداث بمنطلقاتها الفردية لتجنب صبّ الزيت على نيران التصيّد؟

تحدث بعض الوقائع في ظروف الصراع المجتمعي وتكون بين التعمّد أو المصادفة في وقوعها، ولكن التفاعل معها والوقوف بوجهها يتطلب ذكاء وفطنة وإلا فإنّ القوى التي تستفيد منها ستستغلها بما يشعل حرائق ومشكلات أدعى لمزيد جر القدم نحو أوضاع تقبل الابتزاز وعلينا ألا نساعد تلك القوى الظلامية من مشعلي الحرائق ومثيري الفتن ربما بلا دراية وطبعا بغير قصد بما يصف الوقائع بطريقة تصب الزيت في نيران بعضها لم تلتهب وتشتعل بعد ولكن مجرد الرد المنفعل أو التوصيف لواقعة يجرنا لمشكلات مركبة إن الظروف تحتم أحيانا أن نتعامل مع حدث أو آخر بطريقة فوّت آثارها التخريبية.. فهلا تنبهنا لخياراتنا في الصراع الاجتماسياسي القائم؟

أهمية حصر الأحداث بمنطلقاتها الفردية لتجنب صبّ الزيت على نيران التصيّد؟

ندرك جميعاً أدوار القوى الظلامية واستغلالها (تأويل) الأحداث والوقائع بصيغ تخدم قوى الشحن الطائفي، بعد أن تلوي عنق الحقيقة وتضخ فيها ما يُشعل الاحتقان؛ الذي طفا ويطفو على السطح أصلاً…

وتلك القوى تحرث وتغذي زرعها وسط تربة أو بيئة تشيع فيها الأميتين الأبجدية والفكرية الثقافية؛ الأمر الذي سمح ويسمح بتمرير تلك التأويلات المضلِّلة حيثما أوغلت قوى الطائفية في ضخ خطابها؛ مستندةً في هذا، على سطوتها على أموال الناس وأدوات الاتصال بهم من فضائيات ومواقع إلكترونية وصحف ودوريات وأنا هنا أقول سطوتها، لأؤكد حقيقة أنّ تلك الأموال ليست من جيوب الطائفيين أنفسهم وهم بأغلب بناهم الطبقية من حثالة مجتمع الأمية العاطل، ولكنها أموال وأدوات تجسّد ظواهر النهب والسلب واللصوصية لقوى الفساد التي أوجدت طبقة الكربتوقراط بحماية نظام الفساد الكليبتوقراطي ومنهجه السائد…

إنّ قضية إثارة خطاب الكراهية وإشعال الصراعات بخلفية افتعال الاحتقان والشحن  كثرما بنت وجودها وفعلتها على اختلاق القضايا بالتأويل والتضليل واستغلال بساطة الناس التي تتحول لسذاجة قابلة للاستغفال بوجود ما اشرنا إليه من أمية أبجدية تمنع الاطلاع والقراءة والبحث والتمعن مثلما أمية أخطر في ميدان إعمال الفكر وتكوين المناعة الثقافية فتتفتق ثغرات للمتصيدين حيث استغلال المشاعر والعواطف وطابع الإيمان غير القائم على جدلية التفكر والتدبر بل على التوارث والإقرار غير الإرادي…

من هنا تبدأ حلقات التوالد في الدائرة المغلقة المستغلقة بين من يقع فريسة الاحتقان ورد الفعل والاندفاع الأهوج الذي يرتكب به فعلة غير مبررة تخرج على القوانين وعلى منظومة القيم الإنسانية والوطنية بخلفية الانقسامات المحتربة طائفيا دينيا بما يفكك العلاقات الإنسانية وقوانين وجودها وطنياً لمآرب التشظي والتمزق خدمة لسطوة طبقة الانتفاخ المالي الفاسدة المفسدة (الكربتوقراط) وهي طبقة مولودة من الحثالة الجاهلة وعناصرها الظلامية…

من بين الأحداث التي قد تقع بصورة تعود لسلوك رد الفعل غير المسؤول (تجاوز) أو (اعتداء) فرد أو شخص عادي غير واع أو واقع تحت ضغوط قاسية مما لا يحتمله بسبب انعدام قدرة التفسير ويكون ردّ الفعل بصيغة التمرد وانفجار الاحتقان كأن يسب أو يشتم في إيقونة أو رمز مقدس عند فئة أو أتباع مجموعة دينية أو مذهبية غير التي ينتمي إليها أو حتى من ذات فئته التي يتبعها…

كما قد يصل الأمر إلى منطقة الخطوط المحظورة الحمراء لأسوار تحميها قدسية [بلا إجماع] بشأن وجودها الجوهري أو الشكلي باختلاف الجدل الفكري الفلسفي والعقيدي الذي يخصها.. من قبيل وقوع أي تجاوز على كتاب مقدس من توراة أو إنجيل أو قرآن.. مع أن المعتزلة على سبيل المثال جادلوا في موضع قدسية المصحف أم منطوقه أو ما سُمِّي محنة خلق القرآن ولربما قال بهذا بعض الأباضية في المغرب وعمان مع أنهم بعُمان اتفقوا على ترك الجدل فيها وليس الاتفاق على موقف…

وفي موضوع خلق القرآن من عدمه جدل فكري فلسفي يتجه لتاريخية النص ومرجعية التأويل والتفسير يقابله تنزيه الذات الإلهية عما يشاركها وجودها المطلق القدسية… لكننا ومنذ زمن المعتزلة والمأمون وعلى الرغم من انتهاء قسوة ما تعرض له من رفض فكرة الخلق إياها بعهد المتوكل بخلاف من سبقه إلا أن الموضوع ظل يثار بمختلف أشكال التأويل التي أودت إلى ((تكفير)) كل طرف الآخر بمنطلقات أنه المتفرد المنفرد بتمثيل الله وغيره كافر!

المضاف يتجسد في أن خطاباً يعتاش على هامش الجدل العقيدي والفلسفي بات يتفشى عند أدعياء العلم بالشيء ومزاعمهم وصرنا إلى منطقة: أولها تكفير الآخر ومن ثم إيقاع ما هو أبعد من الحظر وممارسة تعذيبٍ شبيه بزمن المعتصم والواثق تجاه جدلية الخلق ومحنتها.. والمضاف كما قلنا للتو إدخال تسويق لمفردات جديدة بعضها من الخرافة والقراءات المضللة بادعاءاتها وأخرى تخلط الأوراق لإثارة احتقان يبرر الخطاب السياسي الداعم لوجود الاحتراب وتبرير الوجود الميليشياوي أداةً تدير الصراعات الدموية إدامة لسلطة كليبتوفاشية ابنة العصر ومفاسد اللصوصية التي يلمسها المواطن المبتلى بكل تلك التأويلات ومشاغلاتها..

إننا إذ نقف ضد أي واقعة يمكنها أن تكون بالتفسير المباشر أو بالتأويل منصة لافتعال أسباب وعوامل الصراع، لا نجد في الوقت ذاته ما يوجب التوقف عند تلك الوقائع كل بحالتها المنفردة أو بكليتها جميعا لأن التوقف عندها سيكون من دواعي خدمة من يؤوّل بقصد تبرير منطق التكفير ومن ثمّ منطق جرائم القتل والاغتيال بدواعٍ دينية وأسباب تتعكز على تمثيل الإرادة الإلهية حصريا وإيقاع حكم الموت والإعدام على المخالفين!

الكارثة أن بعض الأحداث والوقائع تبقى فردية قائمة على الانفعال ورد الفعل بظروف اليأس والإحباط مما لا يفعله الشخص (الفرد) ذاته بظروف عادية لكن الباحثين عما يتعكزون عليه لتبرير وجودهم وتفسيراتهم ومن ثم التغطية على جرائمهم بادعاء كونهم الممثلين الحصريين لقدسية الذات الإلهية..

حدث مثلا أن (أفراداً) وبصورة فردية بحالات رد الفعل الانفعالي أن أحرق أحدهم المصحف! وهو المر الذي عادة ما وجدنا من يستغله منصة للتحريض والحض على الكراهية على أساس أن تلك (الفعلة) أتت من فرد يتبع ديناً آخر ولكن ماذا وقد حدث ويحدث يوميا من مسلمين يكفرون بالقرآن والذات الإلهية تحت ضغط انفعالهم وطابع سلوكهم غير المسيطر عليه والمنفلت من عقاله وآداب ملزمة بتجنب لغة الشتيمة والسب؟

إنّ مثل هذه الواقعة لا تزول بتحويلها لمنصة تكفير واعتراض ومطالبات بتفرغ السلطات لتطارد من يقع فيها ومشاغلة المجتمع بملاحقة أطرافها أفراداً أو أية مجموعة صغيرة هامشية أو أكبر من ذلك؛ إنما تزول بالاستقرار النفسي الاجتماعي والوصول لمنطقة تصفير حالات الضغط وإثارة التوتر ونشر منطق الاعتدال ومكافحة التشدد والتطرف وكبح جماح الاصطدام والاصطراع…

كما يتبعه بحال فرض ظرف من الظروف نفسه على حادثة أو واقعة صيغ البحث الأنجع والأكثر هدوءا وموضوعية وتمسكاً بأفضل سبل إنهاء التوتر والانفعال واي احتقان قد يكون قد دفع لذاك الموقف…

إنّ الموقف الإنساني يكمن في تعزيز ظاهرة التعايش والحوار ونزع فتيل لغة التكفير وتداعياتها التي تدفع نحو استهداف المُنفعِل في وجوده حد اغتياله وقتله دع عنكم تحويله لمنصة لإذكاء عناصر تدعم سطوة البلطجية التكفيريين من مختلف الفرق ومجموعاتهم وأذرعهم المسلحة من ميليشيات وعصابات اغتيال وما شابه..

إنّ وقوع حادثة تتعرض للنص الديني المقدس وكتبه المقدسة من ايّ دين ومذهب وطائفة ينبغي ألا يتم التركيز عليها من بوابة إشعال مزيد نيران وصب الزيت عليها فهي تدفع لتمترسات غير موضوعية تصادر الجميع في حقوقهم وحرياتهم بدل أن تكون سبباً أدعى للقاءات تخفيف الاحتقان وحل الموضوع بما يقطع الطريق على مثيري خطاب الكراهية والحض على الاحتراب والاقتتال..

من هنا أجدني أقترح على أي طرف من الأطراف التي دعت السلطات لمطاردة شخص أو مجموعة وقعت بفعلة أو أخرى أو صرحت بموقف أو رؤية اعتقادية تخصها ألا تكون المعالجة بالمطاردة والاعتقال واجترار صيغ التعذيب التي وقعت بمحنة خلق القرآن كما نعرفها تاريخيا وإنما أن نؤكد وسائل التنوير وفتح الحوار الموضوعي المعمق مع من ينطلق من رؤى مختلفة وأن نخفف من غلواء المنفعل ومن توتر أو تشدد مثير للاحتقان عند آخرين فنمتص أي سبب للعنف وسلوكه…

إننا بحاجة لتقديم الشخصيات التي تتحدث إلى الآخر بمنطق الهدوء والاعتدال وموضوعيته القائمة على العقل العلمي وجدله الأعمق المستند للنسبية وانتفاء تعدد المطلق أو انتفاء من يُسقط على رؤيته طابع المطلق..

ألا فلنكن أكثر حذراً في تناول مثل تلكم الأحداث ولنكن عامل تهدئة وتمكين للسلوك السلمي غير المنفعل وغير الموتور وغير القائم على ردود الفعل المحتقنة…

ولنلجم معا وسويا منطق الحض على اختلاق اصطراعات مفتعلة ناجمة عن تضخيم واقعة أو إيهام أنها منطلق صراع أتباع الديانات أو إشعال الفتن مجتمعيا وكأنها الحدث الذي يشعل الحرب الأهلية بوقت نعتقد يقيناً أن كل الديانات والمذاهب والجماعات الإنسانية إنما تدعو لسلوك التعايش والتحابب وتبادل الاحترام وتبنّي التنوع وكل له دينه واعتقاده ورؤاه بمعنى أن نبحث في إعلاء منصات التعايش السلمي وحواراته وأن نعمل على توعية وتنوير بسبل تجنب الوقوع في المحاذير وفيما يعد اعتداء وتجاوزا بقراءة العقل والقوانين التي اتفقت عليها البشرية سبيلا لتحقيق السلم الأهلي..

إن منظمات المجتمع المدني والحركة الحقوقية ليست معنية بتقديم البراءة لمنظمات التطرف والتشدد سواء خشية ومخافة أم محاولة موضوعية للتهدئة بل هي قوة تنوير يمكنها بتعزيز خطاب السلام وسلوكياته أن تمضي قوة جدية تنير دروب احترام الآخر ومقتضيات جعل ذلك أساسا جوهريا يكبح أي انفعال ومن ثم أي خروج على منطقه كما حدث فرديا من هذا أو ذاك من الموتورين أو المتوهمين خطأ وحتى ممن يضمر إشعال الفتنة..

وبجميع الأحوال يلزمنا الانتباه على محاولات إثارة وقيعة أو توريط مجتمع مستقر بما يهدد سلامته واستقراره فلنحذر ولنتفكّر ونتدبر وهذا مجرد مقترح يقبل الخطأ والصواب ولا صواب مطلق إلا في إجماع الناس باختلاف مشاربهم على سلوك تبادل الاحترام وقدسية التعددية والتنوع وسلامة توجيه الاختلاف نحو الحوار لا الاصطدام فهلا تنبهنا….؟

****************************************************************************

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=716650

للاطلاع على المعالجة في الحوار المتمدن يرجى زيارة الرابط بالتفضل بالضغط هنا 

****************************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحةتوكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *