التحالف الديموقراطي لبناء الدولة المدنية وعضوية قوى إسلاموية فيه!؟

التحالف الديموقراطي المنتظر لبناء الدولة المدنية وأي احتمال يفترض وهم عضوية قوى إسلاموية فيه!؟

يحاول هذا المقال أن يعالج مادته بعيدا عن أي موقف مسبق منرؤية أخرىيبقى من حق أصحابها التعبير عنها وخوض الحوارات التي يرونها بشأنها.. غير أن مهمة هذه المعالجة تكمن في التعبير عن مادتها باستقلالية تامة ومن دون التعرض لآخر بأي شكل.. إننا نقترح هنا النظر في المسلَّمات البديهة فإن أصابت المعالجة فخير وإن أخطأت فإنها تترك للتفاعلات الموضوعية الأهدأ والأنجع لتقدم التصور الأنضج في ضوء النظريات العلمية وفي ضوء منطق العقل العلمي وليس طبعا في ضوء خزعبلات يتوه الناس فيها أكثر مما هو جار وحاصل فعليا… وتحية للجميع باختلاف رؤاهم التي تسعى لإنقاذ الوطن والناس

 هذه المعالجة تأتي في إطار توجه القوى الديموقراطية لإعلان تحالفها النوعي المستقل ببخريطة طريق برامجية مستقلة وبمنهجه المستقل وتنظيمه المستقل المنبثق عن مؤتمر وطني شامل يُنتظر عقده لتلك القوى المؤمنة بالدولة المدنية الديموقراطية الاتحادية.. والمعالجة لا علاقة لها ببعض الطروحات الطافية بشأن كتلة تاريخية و\أو بشأن قشمريات تحالف بين الديموقراطي والإسلاموي الطائفي المضلل مما لا أظن أحدا موضوعيا اقترحه.. إن هذه المعالجة هي مجرد تحليل في  إشكالية ومحاولة اقتراح تصور يجسد قراءة واقعنا ومجرياته.. لا شأن لهذه القراءة بأية حوارات ظهرت وحين سيصل اي تساؤل أو طلب للحوار ستكون الإجابة في موضع مستقل آخر.. وعليه اقتضى التنويه

 إنّ من أبرز قوانين العمل في الأحزاب والحركات السياسية أن تبني تنظيماتها على أساس الاستقلالية، وعلى الحرص على التصدي لحالات الاختراق والاندساس وكذلك تجانس تركيبتها وتنظيمها. ومن شروط الأنظمة الداخلية أنّ العضو ملزم بإقرار نظام الحزب الذي ينتمي إليه وبرنامجه. وأنه حال تقاطعه وتناقضه معه يصير خارج البيت الحزبي أو خارج التيار أو التحالف.. فكل كتلة لها وجودها القائم على الانسجام الفكري وعلى وحدة البرنامج السياسي والمنهج الفكري الذي تتعامل به. وبخلافه لن تكون سوى لملوم انتهازي سرعان ما ينفرط عقده مع انهيار الغايات ولكن الكارثة أن الانفراط سيؤدي إلى إيقاع خسائر وأشكال إيذاء عندما يتعلق بمسيرة شعب فإنه يتضرر بحجم نوعي مأساوي غير هيّن.

ولعل واجب كلَّ قوة تريد كسب معركة سياسية، يتجسد في تقوية وجودها وتنظيمها وترتيب بيتها أولاً، ومن ثمّ تنطلق لاحقا للتعامل والتفاعل مع الآخر من أرضية منهجها وما تتطلع إليه. فإذا هي غادرت هذه المسلَّمة البديهة وقعت في فخاخ بلا منتهى ولا آخر سوى الهزيمة الدامية مثلما حصل في تحالفات عديدة منها تحالف منتصف السبعينات الذي انتهى وانفرط بطريقة تراجيدية لم توقع الطرف الإيجابي وحده بأزمات وكوارث وإنما شملت الشعب برمته بتلك الكوارث.

وبشأن التحالف المنتظر اليوم باتت الجماهير الشعبية تتطلع لإعلانه، فهو (تحالف بناة الدولة المدنية) بوجه (تحالف بناة الدولة الدينية)؛ والأخير بدأ مشروعه فعليا وعمليا منذ 2003.. ولقد كرّس بهذه المدة الوجيزة وجوده بمختلف الأشكال. فكان أساس بلاء الشعب والوطن أقصد ما شخصه الشعب نفسه قبل النخب السياسية، وأساس البلاء ممثلا في ثالوث أثافي الطائفية..

فماذا فعل ((بعض)) الديموقراطيين بناة الدولة المدنية البديل الذي لا مناص منه لإنقاذ الوطن والشعب؟ بدل التوجه بخطى ثابتة لإعداد منصة اللقاء في مؤتمر وطني مستقل خاص بالحراك الديموقراطي وتوحيد جهوده، والاتفاق على أفضل القواسم المشتركة لتكون خريطة الطريق البرامجية، بات ذاك البعض بتلكئه يتبدى هنا أو يطفو هناك، والصحيح رفض التلكؤ والتردد والتسريع باتجاه انعقاد مؤتمر الديموقراطيين.. لا قبول للتلكؤ ولا أقول التأني في الاتجاه نحو مؤتمر للديموقراطيين بهويتهم المخصوصة المستقلة فالتلكؤ خطيئة والتأني مطلوب لحساب الأمور بدقة.

ولابد من التذكير أن حراكا جديا مسؤولا قد بدأ للقوى الوطنية الديموقراطية بوصفها البديل لبناء دولة تحمي مصالح الشعب وفقرائه والمبتلين من بناته وأبنائه بالنكبات المتعاقبة المتتالية. ولكنه سرعان ما جابه تحركا مقابلا من قوى سياسية لم تقطع صلة الرحم الاستراتيجية مع حركات (الإسلام السياسي) ومع فكرة بناء (الدولة الدينية) ومع بنية النظام الطائفي المافيوي الكليبتوقراطي فهي جزء منه أو جنس من نوعه الطائفي؛ وكل ما تقوم به من أنشطة ليس سوى حراك بإطار الصراع بين قوى الطائفية الإسلاموية لاقتسام الغنيمة، وتصدّر المشهد وإعلان خلافة أو ولاية فقيه بـ(الطريقة) التي تراها والتي يمكنها السطو بها على المشهد بتبادل الأدوار بين أجنحة اقتسام الغنيمة وإدارة التقسيم…

هناك ثقة وطيدة بأنّ مجموع القوى الديموقراطية ستعمل جاهدة على تحقيق التصور الأنجع لتوحيد (جهودها) وبرامجها وهي قادرة على ذلك بفضل وعي للمجريات وإدراك تام لمسار الحدث وبفضل الخبرات التي تمتلكها وموقف مستند إلى إرادة مكينة في توحيد الجهد.

إن الخطى جارية اليوم بالاتجاه الصحيح. ولكنها لن تخلو من اعتراضات وعقبات ومطاردة من طرف قوى طائفية بلعبة استمرأتها وظنت أنها قادرة على تسويقها وشق صفوف الديموقراطيين أو على اقل تقدير اختراقها بقصد التشويش على جماهير الشعب ومنح التزكية لقوى الإسلام السياسي كي تواصل مشوار ركوب الموجة وادعاء التزامها ببناء دولة، بعض الأجنحة تتحدث عن (الدولة المدنية) تحديدا، طبعا بمفهوم إسلاموي..

بالمقابل، موضوع أن يعمل الديموقراطيون وجبهتهم الساعية لبناء دولة مدنية إلى تفتيت أو تفكيك جبهة الطائفية هو موضوع مختلف، قطعا وبشكل حاسم وجوهري، لا يدخل بمجال السماح بعقد تحالف ديموقراطي طائفي! لا ينسجم ومنطق العقل.. وسواء أُعلِن هذا التحالف حتى هذه اللحظة أم لم يعلن فنحن لا ننتظر الحدث، لنلهث وراءه أو لنعلق بعد أن يقع الفاس بالراس! إنما نحن واجبنا وواجب كل المعنيين برسم طريق الشعب وقواه الديموقراطية التحدث بشجاعة مثلما تحدث شعار: قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية وليس اسمحوا لتركيبات وجبهات لا تعني سوى التسويق للطائفية والطائفيين فحين تزكي جناح تزكي بقية الأجنحة وتشرعن وجودها ونظامها الذي كرسته وتضيع فرصة التغيير المنشود من أيدي قوى الشعب…

 بمعنى أن ((الإسلاموي)) لن يكون يوما ((الوطني)) فهو يرى نفسه فوق وطني بطريقة كارثية باتت مفضوحة والإسلاموي بات يتستر بتقيته وادعاءات لا ينتمي إليها ولا يمكن أن تستره شعاراته وتكتيكاته بالاقتراب من قوى البديل المدني الحقيقية…

وبمعنى أن ((الطائفي)) لن يكون يوما ((الديموقراطي)) ومن الوهم بل التضليل (ربما المتعمد من بعض شخوص) لوضع الشعب في متاهة بلا مخرج وبلا منتهى. والحديث عن تغير كتلة طائفية بالكامل وبالذات قيادتها وانتقالها السياسي من إسلامويتها وطائفيتها هو ليس أكثر من تبييض أموال كما يقول المصطلح القانوني الجنائي الاقتصادي وهنا تبييض وجوه كالحة كما يشخص علم السياسة بأصوله العلمية وليس التخريفية الدخيلة على السياسة من بوابة علم كذا وعلم كيت.. وربما تغير الأفراد فهم يتحولون من ميل إلى آخر أما الكتل بقضها وقضيضها فتلك هزلية لا يقبلها منطق أو نظرية علمية..

إن تلكم القوى الطائفية المحتشدة المنظمة في مافيات فساد وميليشيات بلطجة، تظل متمترسة بخندق مفضوح أو معروف لذوي الحصافة.. ومن السخرية الحديث عن (سلامتها) بما تعلنه ومن السخرية بل الكارثة أن نغض الطرف عما تخفيه بنظام تقيَّتها..

مثل هذا الأمر له قوانينه وتحليلاته الموضوعية ولن يدخل على العقل العلمي تنظير محدثي ولوج عالم السياسة أن ينظِّروا لنا عن (وهم) تحالف بين (ديموقراطي مسالم أعزل وطائفي ميليشياوي عدواني).. ولقد قيل بجبهات سابقة منها جبهة منتصف سبعينات القرن المنصرم، إننا سنغير حزب السلطة بتلك الجبهة ولكن الذي تغير هو الأوضاع التي ولجت الكارثة وآذت الشعب وأضارته؛ والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين..

إن لعبة التحالفات غير المحسوبة التي تنام على وسائد (التطمينات والتبريرات) تبقى جد خطيرة على كل أطرافها تحديدا القوى أو الأطراف الإيجابية المستضعفة وطبعا تشمل بمخاطرها ما يقع على الشعب..

ولهذا فعلى القوى الديموقراطية أن تتحد وتنظم نفسها كما هو مفترض وتجري الدعوات والنداءات له، وعليها أن تتجاوز الخلافات الثانوية لمصلحة حسم المعركة مع مشروع الدولة الدينية وولاية فقيهها وطبعا في وقت لاحق وهي تدير تكتيكاتها في الحوار مع الآخر، عليها الحذر من اندساس عناصر الطائفية وسطها كي يتعرف الشعب بدقة للبديل…

وطبعا للقوى الديموقراطية بعد أن توحد جهودها بتركيبة أو صياغة بعينها، أن تلعب التكتيكات السياسية الخاصة بأي فعل ومنه ما يخص الانتخابات وربما ما يتطلب من تفكيك جبهة العدو السياسي للشعب عبر الحراك السياسي السلمي الموضوعي وتفاصيل خطاه المحسوبة..

إذن لا يتوهمنّ أحد أن ما يدار من تكتيكات في ميدان الاحتجاج يعني تعاوناً سياسيا أو تحالفا أو تبعية ولا يظنن أن جبهة ممكنة اليوم بين الديموقراطي والإسلاموي ويمكن الادعاء أنها خطوة باتجاه التغيير فذلكم مجرد ((وهم)) ووقوع في مطب الخطل الفكري المضلِّل للجماهير الشعبية في ظروف تحتاج تلك الجماهير للوضوح والاستقلالية في برنامج البديل المدني الديموقراطي…

كونوا أصحاب برنامج ومنهج مستقل تصلون به الشعب ثم توجهوا إلى الحوارات والتكتيكات والمناورات ولكن إياكم وإيقاع الشعب بمطب مزيف مخادِع سيوقع الناس بــ حيرة من قشمريات تزكية الطائفي والإبقاء عليه ردحا آخر من التسيد على السلطة..

ليكن قادة الحراك الديموقراطي على يقين أنهم إن لم يقودوا باتجاه البديل المستقل وبمنهج مستقل فإنهم لن يوقعوا الناس بالتضليل حسب بل سيدفعوا لخيارات أخرى هي أما انهيار وابتلاء بدولة طائفية هي دولة المتاريس والخنادق المحتربة المفككة أو يأتون ببديل انقلابي لا يدري أحد ما توصيفاته واتجاهاته وبالمناسبة فإن العراق مفتوح على كل تلك البدائل والإكراهات الخارجية ولا أسميها الخيارات وقريبا جدا سيشهدها ما لم يجر توحيد جهود القوى الديموقراطية وإعلان وثيقتها الوطنية..

فـ لنتعظ ونبتعد عن التبريرات وايضا بالمناسبة ليربأ أصحاب المنهج العلمي عن المغامرة بتاريخ طويل لمجرد الظن أنهم يقدمون قراءة شخص لوجهة نظره وهي ليست سوى إفرازات ضغوط الواقع وليس إقرار بقوانين موضوعية تحكمه.. وأترك البقية لثقتي بأن الحليم تكفيه الإشارة.

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *