اليوم الدولي للتعاون بين دول الجنوب واختلاق العقبات والعراقيل بوجهه

مناسبة دولية أخرى كانت الأمم المتحدة اعتمدت لها يوماً دولياً بقصد لفت النظر إلى أهمية التعاون بين دول الجنوب استثماراً لطاقاتها وقدراتها وتنمية لظروف وجودها خدمة للبشرية وتمكينا لها من عدم تضييع فرص التقدم والتطور المنشودة… ولكن ما بالنا ونحن لا نجد إهمال التعاون حسب بل نجد طعنا فيه وتقاطعا وتعارضا تختلقه وتفتعله أنظمة تتحكم ببلدان من وسط دول الجنوب!؟ فلنقرأ ونتمعن ونتخذ طريق التعاون بديلا عقلانيا موضوعيا ينتظرنا مزيد تفعيل له واتخاذا لطريقه أداة حل استراتيجية …

اليوم الدولي للتعاون بين دول الجنوب واختلاق العقبات والعراقيل بوجهه

لدينا أولويات في إطار ما يجابه شعوبنا من تحديات، ولكننا أيضاً لا يمكن أن نغفل عوامل السير قُدُماً إلى أمام في ضوء الاستراتيجيات التي رسمتها الأمم المتحدة، وما يتطلبه ذلك من مهام تثقيف وتوعية أو حراك تنويري مفترض.. ومن ذلك ما يتعلق بالأيام والأسابيع الدولية التي تقتضي تسليط الضوء على ما ينبغي التركيز عليه من أولوية في ميدان أو حقل من حقول المسيرة البشرية نحو مستقبل أفضل.

ولابد من التذكير في هذا الإطار بيوم الثاني عشر من أيلول سبتمبر بوصفه يوم الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب على وفق قرارها ذي الرقم (A/RES/58/220). إن اليوم الدولي للتعاون بين دول الجنوب وشعوبها يتضمن مهام دعم البلدان النامية لالتزام مبدأ الاعتماد على الذات عبر تعزيز قدراتها لمعالجة ما يعرضها من مشكلات وعراقيل بمسيرة البناء والتنمية.

ولكننا لا يمكن أن نجد فرص تطور و\أو تقدم حقيقي فاعل إذا ما تركنا تلك البلدان تنشغل بصراعات وأزمات مفتعلة مختلقة تمنعها بالجوهر من ايّ شكل للعمل الجمعي المشترك.. بينما تؤكد التجاريب البشرية ورؤى العقل العلمي أنّ التنمية لا تتم بنضج وسلامة ما لم نوفر لها العمل الجماعي التعاوني القائم على التكمل وتبادل الخبرات وتوفير الإمكانات لحركة البناء..

ومن هنا جاءت مهمة دعم مهام فتح جسور التفاهم والتعاون وتبادل تلك الخبرات وتوفير أرضية لحماية خطوات التطور عبر حشد الموارد التقنية والمعرفية وإعادة رسم استراتيجيات استثمارها الإنمائي بالإفادة من تقاسمها بصورة موضوعية رصينة، تستند للتكامل والتكافل..

لقد سجلت المواثيق التأسيسية لانطلاق احتفاليات الأمم وشعوب الجنوب بهذه المناسبة معاني التعاون المنشودة المستهدفة تلك التي قامت على تعزيز قدرة بلدان الجنوب المتطلعة للنمو الفعلي؛ أقول سجلت: الأهمية الاستثنائية للنهوض بالتنمية (معاً) بما يبدأ أولاً بتشخيص المعضلات ومطالب الحل بتحديد القضايا الرئيسة الأساس للتنمية وبتحليل مفرداتها بقصد صياغة الاستراتيجيات اللازمة لإدارة منظومة العلاقات الاقتصادية بينها، ومن ثمّ فتح الجسور المناسبة للارتقاء بأشكال التعاون المُقتضاة.

إنّ دراسة التحديات التي تجابه عالمنا برمته وجدوى التفاعل والتكامل بخاصة منها هنا ظروف التغيرات المناخية والمؤثرات فيها تتطلب منع انفلات التخطيط بشكل منفصل من أخذ الاعتبارات الضرورية في هذا الميدان..

ومثل هذه الرؤية تدعو فعليا وبوجه عاجل التركيز على النهوض بالدراسات المشتركة لمجموعة دول الجنوب النامية والسعي فعليا عملياً إلى توحيد أو تجميع القدرات المعرفية العلمية المتوافرة لديها لرسم أسس توزيع المهام على المؤسسات القائمة لتضطلع بدراسات بينية مشتركة تلتزم بتوجه رئيس موحد في إشادة النظام الاقتصادي الدولي البديل..

لعل هذي الاستراتيجية هي الضمانة الأكيدة لزيادة التعاون الدولي بمساراته الكمية الجوهرية وتحولها لخدمة مساراته النوعية الكيفية القادرة على استثمار التعاون في تحسين فعالية خلاقة للموارد المكرسة في هذا التعاون الشامل..

إنّ بناء الإنسان وقدراته في امتلاك (العقل العلمي) أو بعبارة أخرى تمكينه من المعارف والعلوم وأحدث تكنولوجيا العصر هو ما يوفرها لشعوب دول الجنوب ويمنها فرص اختزال الزمن الذي فقدته في ظروف تاريخية سابقة.

إن بناء القدرات التكنولوجية الأحدث لن تأتي ما لم تنهض بلدان الجنوب النامية بتحديث مختلف قطاعاتها الاقتصادية المجتمعية سواء منها التقليدية أم الجديدة المستحدثة.. وفي هذا فقط يمكنها توفير فرص صالعمل ومعالجة مشكلات البطالة والفقر من جهة وتحسين الأداء بتحسين ظروف العيش ومنها الصحية والتعليمية؛ بخاصة هنا باستثمار نقل التكنولوجيا والمهارات المناسبة الملائمة لأوضاع تلك البلدان وظروفها ملتفتة بجدية إلى إمكاناتها من موارد وطاقات قادرة على إطلاق أفضل مشروعات التنمية المعتمدة على الذات الجمعي المشترك..

لكننا في سعينا ونحن نحتفل باليوم الدولي للتعاون ندرك مع الأمم المتحدة ما يعترض هذه المهمة النبيلة من عقبات وعراقيل لعل أبرزها تغليب الإرادات السياسية المنقسمة والممزقة بخلفية صراعات ضيقة الأفق تمنع فتح الاتصالات والحوارات الاستراتيجية..

الأنكى أنها تدفع لانشغال بمشروعات تسميها بالاستراتيجية بمستوى هذا البلد أو تلك المجموعة من البلدان بمحيط منقطع الاتصال بمستوى الوجود الجمعي للبلدان النامية!

ولكننا إذ نحتفل اليوم فإنما نسعى إلى خلق عميق الوعي بالعضلات التي تجابه دولنا مجتمعة ما يتطلب التعاون لدراسات مشتركة وخطط شاملة قائمة على التعاون المنشود تقليلا للكلفة بكل معانيها سواء في الحصول على المعارف والخبرات والمهارات أم على نقل التكنولوجيا وصنع أسس معرفية ناجعة لحل التعقيدات التي تجابه مهام التنمية والتقدم.

إن انشغال الحوارات وأشكال الجدل البيزنطي التي تفرضه بعض الأطراف كما يحدث بين اثيوبيا وكل من مصر والسودان أو ما يحدث من قطيعة بين بعض بلدان المنظمة الإقليمية \ الجامعة العربية وامتناعها على إقرار ميثاق تطويرها بخاصة منه إهمال تفعيل السوق العربية المشتركة والمؤسسات الاقتصادية المعنية ومشاغلة بلدان عربية بظروف مجابهة التخريب والترهيب الأمني والسياسي عبر اختلاق أجنحة إرهابية للتدخل فيها، بالإشارة إلى ما ترتكبه سلطة الملالي في إيران أو سلطة الأخونة والعثمنة في تركيا؛ إنّ ذلكم وغيره يقف بوجه التعاون بين الدول العربية وشرق الأوسطية ويعرقل تبنيها ما يستثمر طاقاتها الكبيرة المهولة في التنمية..

لابد من السعي لإرادة سياسية نقية من تلك التشوهات وبعيدة عن أضاليل الجذب التي تدعي الانتصار لقضية أو أخرى غير تلك التي تضع شعوب الجنوب ودولها على سكة التعاون الوحيد القادر على توفير فرص التنمية الحقة..

ومن هنا وفي نموذج الدولة العراقية فإن إعادة فتحها الجسور والاتصالات مع محيطها القائم على الانتماء سواء بوجوده العربي أم الإنساني ليؤكد سلامة فك التبعية عن منظومة قيمية لم تكتفي بإلحاق أشد بل أفدح الأضرار به بل وضعته على سكة الانحدار والتفكك الوجودي بارتماء من سطا على إرادة القرار السيادي فيه لمصلحة أو لمآرب أطراف وأجندات غير تلك التي تصب بمصالح الشعب ولا مصالح شعوب المنطقة بوضع بخدمة تلاعبات وصراعات تخص قيادات بلدان في شرقه وشماله فيما قطع الصلة مع عمقه الإقليمي الحقيقي الذي كان ويبقى مصدر وجود قادر على استثمار طاقاته الكبيرة في التنمية وترسيخ السلام واسس التقدم الضامنة لدوره البنيوي في الحفاظ على حماية المناخ والبيئة والإنسان ومصالحه..

إن هذا التوجه هو تأسيس متمسك به الشعب العراقي بتنوعاته وهو ما ينبغي أن يلزم السلطة السياسية بمشروعات التعاون والتكامل بل المبادرة به وهو صاحب الريادة في ميدان جمع الدول وتلاقيها بدروب التعاون والتكامل وتكافل قدرات الاستثمار..

إنّ المشروع الحقيقي للتعاون ينطلق من قدرة الشعب على التغيير وإنهاء زمن فصم البلاد عن عمقها الإقليمي بسياسة تقوم على الانتماء وخلق استراتيجيات التنمية بخلاف الانفصال عن عمق إقليمي قادر على صد ظواهر استغلاله كما تفعل جاراتاه إيران وتركيا وهي تقطع مورداً مهما وخطيرا بنهب حصصه المائية في الأنهار الدولية العابرة للحدود حيث يمثل العراق دولة مصب لتلك الأنهار وفي سطوة الدولتين بعد عملها على سيادة التصحر وتخريب الأرض الصالحة للزراعة بما مكنهما من فرض تصدير بضائع استهلاكية كان ومازال العراق قادرا على إنتاجها بوصفها مواد محلية طبيعية بل كان مصدرا لها فبات اليوم يستوردها كرها وإجباراً كما باستيراد الخضروات ومنتجات زراعية واستهلاكية أخرى!

وفرضوا عليه استيراد الطاقة وهو أحد ابرز بلدان إنتاجها بكل اشكالها التقليدية والحديثة البديلة النظيفة وطبعا لم يكتفوا بهذا التخريب المتعمد بل استغلوه مصدرا لنهب البلاد وثرواتها الغنية الدسمة مانعين عنه أي شكل للتعاون القائم على إرادة حرة وضمان للسيادة..

فلنتفكر اليوم بهذه المناسبة الأممية ولنتدبر وسائل فتح آفاق التعاون طريقا فعليا حقيقيا للتنمية ولخدمة مصالح شعوبنا معاً وسويا بمساعيها التكاملية..

وتحية لتعاون عادل نزيه بين دول الجنوب النامية يكفل فتح فرص مشروعات تشغيل اليد العاملة بدل بطالتها وإزالة الفقر ومعالجة قضايا الصحة والتعليم والمعضلات الأخرى ولنبدأ على سبيل المثال من مؤتمرات تعاون تفعّل وجودنا بمحيطنا المباشر وتمتد لمحيطنا الأبعد بعمق بلدان شرقنا الأوسط وشمال أفريقيا بل وبعمق آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية إلى افق جديد يحمي تطلعات شعوب كوكبنا وآمالها.

أكرر الإشارة الأهم أننا عراقيا إذا كنا سنقصي الحقائق ونشوهها بأضاليل واباطيل افتضحت وإذا كنا سنحجب فرص التعاون الحقة وسنبقى على نهج من خرّب فرص التعاون فإننا نسير حتما إلى هلاك وجودي ونسمح لمن خرب وهدم وفصل بلادنا عن رحمها الوجودي وفرص تقدمها..

فلنتنبه ونتفكر ونتدبر

*****************************************************************************

نص الموضوع في موقعي الفرعي  بالحوار المتمدن https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=731192

*****************************************************************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركة النوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *