قرأتُ لكم في كتاب مجتمع كسيح ونخب متوحشة، للبروفيسور الدكتور سمير عبد الرحمن هائل الشميري

قرأتُ لكم في كتاب ((مجتمع كسيح ونخب متوحشة))، للبروفيسور الدكتور سمير عبد الرحمن هائل الشميري وها أنا ذا أسجل بعض اشتعراض لأبرز ما ورد في فصوله ومضانه العميقة في سبر أغوار لا مجتمع عدن واليمن حسب بل ومجمل مجتمعاتنا شرق الأوسطية التي تعرضت للهجوم الذي اغتال مهام الربيع العربي وثورات شعوبه ليسرق الاسم والمضمون ويعبئه بعد إحداث الصدمة بمنظومة قيمية بديلة تقوم على الهزال والجهل ومنطق الخرافة ونهج القمع الميليشياوي الفاشي الملتحف لقدسية زائفة باسم الدين.. أضع بين أياديكم واحداً من أبرز المؤلفات التي صدت مؤخرا لتعلن عن تحديات العقل العلمي الجمعي لشعوبنا ممثلة بعلمائها ونخبتها الباقية الصامدة كما يرد بقلم البروفيسور الشميري رجيا المعذرة لأي سهو أو هفوة إذ أكتب تحت ظروف ضاغطة خارجة عن الإرادة 

قرأتُ لكم في كتاب مجتمع كسيح ونخب متوحشة، للبروفيسور الدكتور سمير عبد الرحمن هائل الشميري

 

عالمٌ جليل بمعنى العلم والعَلمنة ومعايير العقل العلمي وحراك التنوير هو ذاك الباحث المتبحر في أعماق المجتمع البروفيسور الشميري وهو المتواضع حد طلب الرأي والمشورة في منجزه الكبير ووضعه بين يدي حوارات مفتوحة على أداء العقل بموضوعية الفعل والأثر.. وها هو بكرمه ورائع خصاله يتفضل بإهداء نسخة من كتابه الأحدث في قراءة واقعنا عبر نموذج عدن تجسد يمن العصر… وإنني لأشكره مرة لإهداء نسخة للقراءة والاطلاع وأعتذر له مرات لتأخري في هذي المطالعة المتواضعة بسبب خاص خارج عن الإرادة..

وكتاب بحثي علمي رصين عميق الاشتغال يأتينا بعنوان ((مجتمع كسيح ونخب متوحشة))، هو المؤلَّف الصادر عن دار النخبة للطباعة والنشر والأبحاث بمصر 2022..

الكتاب البحث يتأسس على ملاحظة الكاتب الباحث في اشتغاله بأسس أكاديمية علمية ولعلنا نرصد ذلك في كل عبارة ومقتبس واستناد وتوثيق مثلما نتلمسه فيما يقول في مقدمته: “في أزقة وجادات وشوارع مدينة عدن تم تكسير أضلاع الإنسان وتدمير قيم المواطنة المتساوية واشعال الفتن العمياء والاحترابات والعنف والإرهاب وتوطين الفســاد وتسويم الناس بالشعارات الغوغائيــة والانحطاط الســلوكي وهبــوط الثقافة تحت درجة الوعي وضمور الروابط الإنسانية وفقدان المعايير.” وهو هنا يتحدث عن عدن وعن اليمن لا الجغرافيا ولا الأرض ولكن الإنسان ومنظوماته القيمية، بلى يتحدث عن أنين الأرض في أنين الناس وفيما تعرضوا له من تشوهات مفروضة قسراً.. ذلكم هو عالم الاجتماع وعمق اشتغاله..

وسرعان ما ينسب المشكلة المعضلة إلى أسبابها عندما يؤكد ذلك بقوله: “لقد أصابت النــاس المحن والمظالم والآفات والحماقات التي ضربت صميــم المجتمع وآدمية الإنسان ومقومات الوجود ولغة الحياة والعلاقات الإنسانية.” إنه سيربط بدقة علمية بين الأحداث الكارثية التي أصابت المجتمع وبين المخرجات التراجيدية لمنظومة قيمية مرضية تعبر عن نخبة فارغة فكريا تحيا في الآسن من البرك الراكدة لمجتمع كسيح يتلذذ بأوهام الخرافة تسطو على ذهنه!!

لقد جاء في الكتاب بعد مقدمته، مدخل وثلاثة فصول تبدأ بمعالجة مفهوم النخبة ومن ثمَّ المجتمع الكسيح وما أفرزه من نخب تنتمي إليه بهويتها المخصوصة؛ بجانب ظهور نخب الشعارات ليأتي الفصل التالي بعنوان سوسيولوجيا الحياة اليومية وانهيار الخدمات عبر مدخل وقراءة مفهومية لسوسيولوجيا الحياة اليومية ثم التغيرات التي أثرت على نمط الحياة اليومية ليقرأ الباحث في حلقات بحثه ودرسه المعرفي، نظرية الصدمة ودورها في صنع تلكم السمات الخطيرة التي رصد تكريسها مجتمعياً في ضوء رصده متغيرات الحياة اليومية. أما عند الانتقال إلى الفصل الثالث فلقد بحث في انهيار المنظومة الأخلاقية عبر مدخل مهَّد لموضوعه ليتبعه متمعنا متبصرا في القيم ومسببات انهيارها؛ بتقعيد نظري مميز باهر ينتقل به نحو تسجيل رصده للخراب الاجتماعي والانحطاط الأخلاقي ودور الشارع في انهيار المنظومة الأخلاقية منتهيا بخلاصة تتمسك بالجمع بين النظري والتطبيقي العملي في تفاصيل اليوم العادي..

إنّ تركيز الكتاب ومفرداته البحثية على مجتمع عدن وعموم اليمن في ظل الأزمة الحالية لا يجعله مقصورا على جغرافيا اليمن حصراً لأنه يقدم بصورة معمقة دروسه التي يمكن للقارئ أن يستقي منها ما يفيده في قراءة مجتمعات شرق أوسطية أخرى كما المجتمعات: في العراق وسوريا وليبيا بما ضجت به الحياة هناك من انهيارات قيمية لحقت بانهيار البنى المؤسسية للدولة الحديثة من جهة والتراجع في بناها والنكوص الفكري فيها حيث استيلاد أو اختلاق تشكيلات ما قبل الدولة سواء بأبعاده الطائفية أم القبلية أم المناطقية…

وعليه فأهمية الكتاب تكمن في تنوير العقل وإيقاظه من غفوة الاستكانة للخرافة ولمنطق منظومة قيمية مشوهة مريضة وفي قبول القراءة التحليلية في انعكاساتها على بلدان عديدة غير اليمن والمجتمع العدني.. وتتبدى أسئلة البحث في هذا الكتاب المهم في الآتي:

  1. ما أهم ملامح النخبة والمجتمع الكسيح؟
  2. ماذا نقصد بسوسيولوجيا الحياة اليومية وحرب الخدمات؟
  3. لماذا انهارت القيم الاجتماعية؟

وهذا ما يؤكده الباحث في منطلق اشتغاله. فماذا وضع لنا من لمسات مهمة؟؟

لابد للقارئ أن يتمعن في خيارات الباحث وهو يقتبس تعريفات للنخبة لتكون المقدمة إلى مراده وتشخيصه فالنخبة التي تمت دراستها من قبل تميزت بالذكاء والمهارة والخبرة وتقدم الصفوف بقصد انتهاج فعل البناء والتنمية باختلاف ما ورد على ألسن الباحثين عبر التاريخ لكنها اليوم تلك الشريحة التي تنبثق من مجتمع بعينه لتجسد خصائصه وهويته وعليه فهي تكتسب الشهرة والسلطة بالاستحواذ على المال وقوة العنف بما يتيح لها تكريس تصدرها المشهد لمواصلة فسادها وإفسادها الوجودي لكل محيطها.. وإذا كانت تتمثل بنخبة تكنوقراط وحاملي أفضل الشهادات العلمية فإنها اليوم لا تعدو عن وجود وجاهي بالاستناد إلى المال والسلطة وما يمتلكان من تطويع قوة تستند للعنف بأشكاله وقدرات القهر عنده، وهي بالمحصلة خاوية من الأهلية للمكان والمكانة التي هي فيها.. على أنّنا بهذي الحال سنجد نخبة غير حاكمة تمتلك التأثير وفعله التنويري استناداً لعمقا وهويتها المستندة للوعي والثقافة وللحراك الجماهيري ومعطيات التمدن والأنسنة فيه..

هنا بالتحديد يكون عالمنا الجليل البروفيسور الشميريي قد رسم حدود النخبة لا في اليمن بل في مجمل إقليم شرقنا الأوسط كما في العراق على سبيل المثال كون تلك الفئة أو الشريحة هي وجوديا مما ينتمي إلى طبقة كربتوقراط المرحلة بنظام كليبتوقراطي..

وبخلاف ما تفرزه النضالات الشعبية فإنّ حالا من الإفساد يتسع لينتفشى بنيويا قهريا ما يخلق مجتمعاً آخر غير الذي نعرفه في الدولة الحديثة؛ إنه المجتمع الكسيح الناجم عن تفشي الأمية والجهل وعن إفشاء منطق الإيمان بالخرافة بديلا عن منطق العقل العلمي وقوانين نهجه القائم على فعل البناء وهنا بالتحديد نستند في قراءة المجتمع الكسيح إلى تعطيل الإيجاب وسطوة الرغبة والشهوة مادياً غرائزيا هي ما يتحكم بالإنسان السلبي المنكسر المعطل عن العمل وعن كل فعل بنيوي…

وفي ولوجنا نحو تعريف المجتمع سنجد منها المتجانس والتعددي والفسيفسائي ليضيف بروفيسور الشميري المجتمع الكسيح إلى نماذج المجتمعات العربية على وفق سياقات البحث واستقصاءاته، وتحديدا منها انعكاسات ما بعد الربيع العربي واختراقات هيكلية للقوى المثيرة للحروب والمنازعات وتشظيات ما وراء كل ذلك، بجانب التدخلات الإقليمية والدولية في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ المنطقة…

وكما يقول أستاذنا الشميري: “فالمجتمع الكسيح الذي نعيش فيه هو مجتمع مريض ومعقد تنهشه الذئاب والكلاب والأمراض وتعصف به العواصف لا يقوى على الاستقامة دمرته الحروب والويلات والمصائب وشــلت حركته، يعــاني من إعاقة فكرية وذهنية وحركية يهدر طاقته وإمكاناته في الترهات والسفاسف خارج قارعة الحضارة.” ويتابع ليؤكد وسائل الشلل بمكامن الخوف والريبة والشك والزيف والاستلاب والمصادرة يتلذذ ويستأنس بالخرافة والخزعبلات ما يكرس التبعية والخنوع والارتزاق وإن اشتغل بتلك الحال فإنه يشتغل بمنطق التكفير والتخوين وتدبيج الخطب الرنانة فيما ينوب المجتمع باتساع بناه ووجوده سوى التصحر والخواء والضعف أو الهزال حيث يمتلئ، بل ينتفخ بمنطق الغرائزية أو شهوات البطون والفروج…!

إن هذا المجتمع الموصوف بالكسيح لا يهتم بالإنسان وحقوقه وحرياته قدر اهتمامه بتلبية رغبات غرائزية ومطالب عابرة تقوم على فكرة أشبعني اليوم وليكن بعد ذلك ما يكون!

ويرصد الدكتور سمير الشميري ما خسرته اليمن وأهلها منذ 2015 حتى اليوم ليؤشر نصف تريليون دولار مع تضخم وبطالة وفقر هي شبيهة بتلك الترليونات التي خسرها الشعب العراقي والفقر بنسب فاجعة بأرقامه وبمصائب وفواجع بلا ضوء في آخر النفق، لكل شعوب المنطقة بدول ما بعد الربيع العربي.

وبهذا نجد انهيار مقومات الدولة وسطوة الحرب وإعاقة فكرية وشيوع التهتك وتفاقم منسوب الكراهية والبعد عن منطق العقل والتحول لكائنات غرائزية وتفشي الصراعات وأزماتها مع هدر كرامة الإنسان وافتقاد الأمن والسلم الأهلي والخوار المعنوي وإنهاك الطاقات مع تفشي الفساد بكل أشكاله وألوانه، حتى أن هذا المجتمع الكسيح لا يجد قدرة على اسثمار ثرواته المنهوبة والمعطلة المهدورة.. فهل أوجد المجتمع الكسيح هذا نخبه؟ وماهي مواصفاتها؟؟؟

بلى، يقول بروفيسور الشميري وهو يرى أن النخب المفسدة قد داءت بقوة خارجية وتتنفس بدعمها ما لا يعنيها مجمل الحراك المجتمعي الذي يظل محاصرا بسلبية متفشية تحيط بدوائر النخب الثورية التي مازالت تحتفظ بسلامتها..

لكننا نجد نحب المجتمع الكسيح تستند لعناصر قوة غير تلك الخارجية عندما تتحالف مع عناصر دعية أخذت من التطور والتقدم قشوره الخارجية فهي أفَّاقة دعية.. وعليه فالنخب الحاكمة اليوم تفتقد المعايير الوطنية لصالح العصبوية الطائفية مع أكثر عناصر الانحطاط والوضاعة في علاقاتها واشتغالاتها.. إنها نخب غارقة في الماضويات السحيقة ومنطق اجترار م قبل الدولة بتشكيلاتها وهوياتها..

وعليه فإن تلك النخب تنهض بمهام إدارة الحروب واختلاق الأزمات وتعطيل الخدمات وممارسة القمع وإشاعة نهج الترهيب والنهب والسلب وتكريس الفقر والبطالة والارتزاق وإشاعة الفوضى وتفكيك أي وجود مؤسسي جمعي ينتسب للعصر والحداثة وسطوة التجهيل وبلطجة تستهدف تحطيم أي شكل للتماسك الاجتماعي مع تغليب مصالح إقليمية ودولية على المصلحة الوطنية بالقهر وفرض إرادة الميليشيات ومناهج الطائفية والقبلية..

أما عندما يتقدم الباحث ليفتش عن نخب أخرى فسيجد نخب الشعارات التي تقع بعيدا عن النخب السليمة وقريبا من النخب المتوحشة.. فهي ضعيفة مهلهلة مخترقة يجري توجيهها كيفما أرادت قوى التوحش فلا تشكل سوى ديكورا أو وجودا ذرائعيا تتعكز عليه القوى الحاكمة عندما تناور وتتراجع مظهريا أمام الضغط الشعبي الحقيقي.. بمعنى عندما يجري مخادعة قوى السلامة المتبقية في المجتمع.

يؤكد دكتور سمير الشميري حقيقة هذهي النخب بقوله: “يريــدون الديمقراطية وهم غير ديمقراطيـيـن، ينادون بالحوار والتسامح وهم غير متسامحين، يتنقدون الفساد وهم غارقون في الفساد المادي والمعنوي، يطالبون بالعدالة والمساواة وهم أنداد للمســاواة والعدالة والإنصاف، يطالبــون بالتعدد والانفتاح والديمقراطية وهم شموليون إلى أبعد مدى، يشكون من الظلم ويمارسون ظلماً أقسى مما يشكون منه، إنهم مع الحرية ولكنهم من زاوية عملية قاتلون لكل صوت حر يجاهر بالحق، يريدون دولة العدالة والمؤسســات وهم يحطمــون مداميك دولة الحق والقانون بطريقة ماكرة ومراوغة”.

وما يجمع النخب المتوحشة الحاكمة والمنبثقة عن المجتمع الكسيح مع نخب الشعارات هو منطق العقل المتصلب ومن هنا فهما يشتركان في: الجمود والغطرسة وبالترداد اللفظي للشعارات المجانية وإعادة إنتاج الخطايا والأخطاء ونهج التكفير الديني وتخوين الآخر وعدم التسامح ومناهضة الحرية وجوهر الديموقراطية فضلا عن الخواء الفكري والغوغائية وإطلاق رؤى تفتقر إلى النضج مع ميل لاحتكار الحقيقة وسلفية مغلفة، نذكر هنا ونحن نقرأ التصور والتوصيف بالجلباب والعمامة شكلا إسقاطيا وبمزاعم يتوجونها بأسماء مجوفة فارغة للتستر على الطابع المحافظ السلفي المعروف كذلك بالنفور من النقد وبشخصنة الفكر بجانب الهيمنة وتصدر المجتمع بل استعباده  قهريا قسريا [تيسير]..

ولابد لنا من متابعة قراءة في كتاب نخب متوحشة ومجتمع كسيح لنرصد أسئلة فصوله التالية وهي تلك التي انصبت في الآتي من قبيل:

  1. ماذا نقصد بسوسيولوجيا الحياة اليومية وحرب الخدمات؟
  2. ما أهم المتغيرات التي أثرت على نمط الحياة اليومية؟
  3. ما أهم قسمات نظرية الصدمة؟
  4. ما ملامح التغير في مفردات الحياة اليومية؟

بصورة أخرى تكوّن الفصل من أربعة محاور رئيسة هي

أولاً: مفهوم سوسيولوجيا الحياة اليومية.

ثانيا: متغيرات أثرت على نمط الحياة اليومية

ًثالثا: نظرية الصدمة.

رابعا: تغير مفردات الحياة اليومية

وفي سوسيولوجيا اليوم العادي بات النفعي المباشر الآني هو ما ساد حيث مغادرة الأنشطة العامة والعمل فيها بحثا عن بديل لن يجده المواطن ليرتكب الموبقات والمفاسد في ضوء مطالب تفاصيل اليوم العادي لأفراد العائلة من زوجة وأبناء وحاجات استهلاكية لا في طابعها بل أيضا في استهلاك طاقة الموظف المكروب كما يعبر عنه علم الاجتماع المصغر بكل ما يدخل في مميزاته عن الماكروسوسيولوجي وما يتناوله من أنساق مجتمعية كبرى فتبقى المايكروسوسيولوجي بحدود التبادل المادي \ الثقافي وتفاصيل اليوم العادي الأمر الذي يبقى بحاجة للرصد والتمدرسس المناسب..

إننا سنشهد أسباب التغير في اليوم العادي ممثلا في انهيار الدولة ومن ثم تسيّد الفوضى وتوهان الإنسان بين اتجاهات لا تتوقف عن التشظي العشوائي الاعتباطي الناجم عن فقدان التوازن والفوضى وانتفاء قوانين الموضوعية والمنطق العقلي.. وهنا بالضبط تنهار بانهيار الدولة البنيتين التحتية والفوقية ومجمل محاور البنية المجتمعية ومؤسساتها ما يخلق الدولة الفاشلة التي قد تجد وسائل فرض سطوة خدمة طبقة الكربتوقراط [التعبير لقراءتي: تيسير] لكن ذلك لا يعيد سلطة القانون ومعنى الدولة الحديثة المفترض أنها تحمي النظام العام وقيمه في المساواة والعدالة والتوزيع العقلاني للثروة ما يحمي السلم الأهلي لكننا أمام اتجاه مختلف نوعيا هنا فيما قبل الدولة للمجتمع الكسيح وهنا يجري انتهاك الفرد وكرامته حيث يبدأ التصرف سلوكيا بأخلاق العبيد يوجهه الفقر والجهل وغياب البصيرة وسيادة كل أشكال ما قبل الدولة من طائفي وعنصري ومناطقي وما إلى ذلك!

يقتبس البروفيسور الشميري لاحقا من الكواكبي ما يفيد الآتي إنَّ: “أهــل القوة في هذه الأوضاع المتلاطشة يسرقــون وينهبون ويســفكون الدماء ويسعون بلذة وحشية للهيمنة على كل شيء بالعنف وآلات الحــرب والكفاح وبآليات المغالطة والســطو على الأذهان وزلزلة الاســتقرار وتضخيم الــذات واحتقار الآخر وكرس صمود وكبرياء الناس وغــرس جرثومة الوعي  المنكسر، لتطبيع الناس على الخنوع والاستسلام واحترام الظلم والتعايش مع القهر والإذلال. وعن ألفة الاستبداد…

أما ملامح انهيار الدولة فتكمن فيما رصده بروح العالم السوسيولوجي في الآتي:

  1. تعطيل الدستور والقوانين وإعلاء شأن عادات مختلقة وتوجيه السلطات بانتهاك استقلاليتها وحال الفصل بينها..
  2. تحطيم مؤسسات إنفاذ سلطة القانون وتشويهها من جيش، وشرطة، وقوات أمنية ، و غيرها..
  3. تسريح العناصر الإيجابية في المؤسسات أو تعطيل سلطتها وعرقلة اشتغالها.
  4. التحول للمحاصصة بوصفها تقعيدا لاشتغال النظام.
  5. تشتيت مراكز القرار لتكريس إضعاف الدلة ومؤسساتها
  6. تفاقم ظاهرة الوظائف الوهمية أو الفضائيين كما يسميهم العراقيون.
  7. إلحاق القرار الوطني بمرجعيات إقليمية خارجية…
  8. التنكر لمهام صرف رواتب العاملين و\أو العجز عن سدادها
  9. التضخم في موظفين بلا قيمة منتجة شراء للولاءات
  10. استمرار وجود القيادة خارج التراب الوطني على الرغم من بعض متغيرات جارية وهزال رمزيتها وسلطتها
  11. إحلال المؤسسة القبلية والدينية والعصبيات الضيقة محل مؤسسات الدولة
  12. منح الجماعات المسلحة والميليشيات سلطة فوق الجميع
  13. تخلي الدولة ومؤسساتها عن إحلال سلطة العدالة والإنصاف
  14. فرض منطق الفوضى على المواطن وخوض الحرب ضده
  15. استيلاد طبقات فساد تتحكم بالمشهد
  16. من يدر الوطن والناس نخب فاسدة بالمطلق

إن هذه الأمور دفعت المواطن لحياة فوضوية أسموها تضليلا الحرية [تعبير خاص بقراءتي تيسير] فيما هي كل ألوان العبث والهستريا خارج منطق الحرية الحقة فالحرية ملتبسة في كل قاموس، لها مواضعها البارزة، الصعاليك أحرار، الغجر أحرار، الثــوار أحرار، الفنانون أحرار، التجار، الساسة، المعارضون أحرار.. المهم أن تكون الحرية دافعا ً حقيقا للارتقاء وليس وساما ً فخريا للسقوط وهذا ما يقتبسه الشميري من السمان.

ما أسوأ الأوضاع المخبوصة المعجونة بالشقاء والألم والمضض الروحي والخراب والبوار التي تسود فيها حرية بالا حدود ولا ضوابط. إن ذلك بخلاف معاني الحرية في المواثيق الدولية كونها تنتهي عن أي إيذاء أو إضرار بالآخر..

وها هنا تجري محاولات محو الدولة والمجتمع وتفكيكهما عبر جملة حروب وإجراءات أخرى فأما الحروب فتتمثل بحرب الشرعية ضد الحوثية والحرب على القاعدة والمتطرفين وحروب القبايل والميليشيات مع حرب الخدمات وبالمجمل العسكري منها والاقتصادي والنفسي والثقافي وهي كلها حروب تفكيك وإذلال أو إنهاك بقصد السيطرة على ما يؤهل لاستغلال الثروة بلا معارضة جدية بخاصة عندما يصل المواطن الفرد إلى فكرة من الغباء أن يضحي لوطن لا يملك فيه شبرا أو يضحي ليحيا الأبناء مشردين أو يترك الزوجة لمن يسطو على المشهد …

وبهذا يرصد الباحث كيف تنتهك الكرامة وتُحجب الحاجة عن أصحابها سواء الحاجة الوظيفية من مأكل ومشرب وغيرهما أو الحاجة للأمن والأمان أو الحاجة للحب والانتماء والحاجة للاحترام والتقدير ولتحقيق الذات وكل ذلك ينتفي بمجرد حجب الخدمات كما في الكهرباء والماء ونحن نعرف كيف تدار تلك القضية في العراق مثلما يرد هنا في قراءة علمية لليمن عندما يتحدث عن مبررات السلطة في الانقطاع المتكرر للكهرباء بإلقاء العبء على القبائل وعلى شذاذ الآفاق والبلطجية وبعامة على كل ما يقع على المواطنين لا على الجهات المعنية!

ومثل هذا يرصد انقطاع الماء ومسبباتها بدقة وموضوعية تفضح الجهة التي تقف وراء هذا العبث الإجرامي الذي يقع بكوارثه على المواطن وحده..

وفي نظرية الصدمة ودورها في التخريب أشار الكتاب إلى جريمة إبادة المجتمع على وفق كيت داوت باقتباس قولها: إن تلك الإبادة لا تقف على أعتاب تدمير البيت بل هيبته ولا على قتل النساء والأطفال بل طقوس المدن ومناهج الحياة الإيجابية فيها ولا تقف عند مهاجمة أناس بعينهم بل تاريخهم وسجل الذاكرة الجمعية للحضارة ومن ثمّ لا تهدم النظام الاجتماعي بل المجتمع نفسه؛ وأتابع بقراءتي لأؤكد مراد الباحث الشميري من إشهار نتيجة تختلق من المجتمع المغتال وجوداً نوعيا خانعا خاضعا لتوجهات المستفيد المستغل وهو يستغل رؤية كاميرون كما يقول عالمنا الجليل بإحداث الصدمة والعودة لتشكيل الشخصية من جديد…

من هنا جاءت ظاهرة تغير المفردات والعبارات التي تشيع في الحياة اليومية في ضوء كل وظائف إعادة التشكيل القيمي بعد تحطيم السلوكيات السابقة والتحول بالإنسان إلى حيوان عاشب مطيع للتوجيه وإعادة الصياغة؛ وكما يرد في الكتاب البحث: “الإنســان المقهور بلا مهاجع دفاعية تنهش جســده الكلاب والأفراس وتقتله الحرب الطاحنة والصدمات اليومية وهمجية العقليات المتكلسة القادمة من قلب العتمة والجهل والتخلف”. ومثل هذا على وفق تشومسكي جرى الاقتباس بأن التحكم بالشعوب يجري عبر استراتيجية الإلهاء واختلاق المشاكل ومراكمتها ومفاقمتها والتدرج في مراكمة تلك الأزمات مع تمرير المكروه بقبول مستقبلي مؤجل ومخاطبة الشعب بوصف القاصر كما الطفل الذي يبقى بحاجة لمرجعية بجانب إثارة العواطف واستدرارها على حساب العقل نذكر هنا بالنموذج العراقي القائم على تفعيل بكائيات على مظلومية مضى عليها دهور فيما مظالم اليوم بلا حلول عقلية في وقت يتم إبقاء الشعب بمنطقة الجهل وتشجيعه على التعايش مع الخرافة والغباء وتمكين الشعور بالذنب من مشاعره بدل التمرد والثورة  وإدخال شعور أن الدولة أو المشرفين على الشعب يعرفون عنه أكثر مما يعرف عن نفسه..

أما نظام العمل فجاء بديلها من بطالة ويأسس وإحباط من أي شكل للعمل المنتج المثمر وهكذا نجد التبلد والكسل والسلبية هو ما يشاع بإطار تنويم وإفراغ العقل مما يتعلمه بل تسطيح مهمة التعليم نفسه وحتى القيم الطقسة على سبيل المثال للأعياد انهارت لتأتي مجللة بالأحزان والسوداوية..

ولمن سيقرأ هذا الكتاب ذي الأهمية سيجد إجابة عما يشاع بمجتمعاتنا العربية وشرق الأوسطية المصابة بكل مشكلات استنزاف الإنسان ولعل أبرزها المنظومة القيمية الأخلاقية التي تنهار اليوم بلا بديل سوى الفناء أو ممارسة السذاجة بانحطاط مُثُلِها…

إنني لا أقترح بل أوصي بقراءة هذا الكتاب الحدث لأهميته سوسيولوجا وفي الفكر السياسي لقراءة واقعنا بمنطق العقل العلمي لخبير رصد ومازال يمارس رصد متغيرات واقعنا وما يقف وراءه ومن يقف متسببا به وشحذ الهمة ليستعيد القارئ مهمته في أن يكون فعلا لا رد فعل ووجودا لا خيالا بمرآة تشوه حقيقته وتقدمه أضحية وقرابين عبودية لمستغلين أعياء قدسية مرة دينية وأخرى سياسية يجللون وجودهم بعصمة مطلقة على حساب البديهة التي تفتضح لمجرد التمعن فيها..

هذا المؤلَّف يأتينا من رجل علم هو أحق بالتكريم وباحتلال مكانه ومكانته بين علماء عصرنا يتقصون الحقائق وأن يكون في مقدم الشخصيات التي تتصدى لإعادة بناء واقعنا والإنسان القادر على العيش فيه بطاقة التنوير والتغيير وليس مجرد إعادة قراءة هذا الواقع بصور وصفية كما تفعل بعض قوى محسوبة على حركة التغيير بينما تستكين لتلك الحالات من التشخيص التي تنتهي عن ذكر وسائل التغيير بانتهاء وصف الحال!!

هذا الكتاب شعلة من شمس تضيء وجودنا وما أحوجنا لمثل هذي الأعمال المعرفية العلمية العميقة ومن ينهض بها.. فطوبى للمؤسسة الأكاديمية التي أنجبت هذا العالم ولتلك المؤسسة التي تبنت طباعة الكتاب الذي حمل التشخيص ووسائل تلبية الحلول أكاديميا علميا وتحية للصديق العالم الجليل البروفيسور الدكتور سمير الشميري

***************************

المقال بموقعي الفرعي في الحوار المتمدن

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=771115

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنةوجودنا وإعلاء صوت حركة التنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *