المشكلة بنظام الفساد وطابعه لا بقرابين المخادعة التي تُقدَّم لحفظ ديمومته!

مقتبس: “لقد بات الفساد نظاماً يتحكم في مجمل المشهد العراقي بإطار النظام الطائفي الكليبتوقراطي القائم، حيث لا انتهاء له إلا بتغييره نوعياً كلياً، ليتحرر العراقي من أصفاده سواء جاءت بتجهيل وتضليل أم بإرهاب وتقتيل..”

مقتبس2:”تكمنُ قوةُ الفسادِ في كونِهِ نظاماً بآلياتٍ تتكاملُ في همجية اشتغالها حتى بآلية تقديمها القرابين التي عادة ما تكون من الفقراء الضحايا أنفسهم أو بصورة شكلية إيهامية مخادعة عندما يتعلق الأمر بعناصرها. لذا فإنّه لا بديل إلا بتغيير جوهري نوعي للنظام..”

منذ تأسس النظام السياسي في العراق ما بعد 2003، انغمس بصراع لتكريس طابعه الطائفي ومن ثم المافيوي المفسد الذي استغل كل شيء حتى وصل لاستعباد الإنسان بأصفاد التضليل مرةً وبالبلطجة في مرات أخرى!

لقد كان الإرهاب الدموي التصفوي أداة خطيرة ومازال بالاستناد إلى عشرات الميليشيات والمجموعات المسلحة المشرعنة وغير المشرعنة فالبلطجة تتسيد المشهد في ضوء الانفلات المختلق بنظامٍ وآلياته التي تدعي شرعيتها الدستورية من جهة امتلاك زمام السلطة بين يديها والقدسية الدينية المذهبية من جهة اضاليل اللعبة الطائفية…

ما يطفو مما يجري اليوم، من أخبار الفساد ليس سوى مفردة في آلية التستر على الفساد الأصل ممثلا في منظومة قيمية متفشية مستندة إلى (نظام) يحكم كل شيء. هذا النظام هو النواة التي تدير اللعبة وهي مستعدة من أجل إدامة وجود الجريمة أن تقدم قرابين وأضاحي لإدامة (النظام) حتى بمستوى متقدم من وزراء ومديرين وقادة في مجموعات مافيوية و\أو مسلحة.. وهي في الحقيقة عندما يتعلق الأمر بأي ممن يُقدَّم قرباناً من أوساطها تقف عند أعتاب:  أن تُصدر حكماً (قضائياً) عقوبة عليه، لكنه سرعان ما يُفلت لنجده يسرح ويمرح لا في خارج البلاد مثلما الوزير ف. س الذي أُخرج من السجن وأُرسل (ليبربع) في بريطانيا بل في داخل البلاد عيني عينك وعلى حسك ياتاجر!!

وندرك مثالا للأخير كيف يجري تجريف البساتين وانتزاعها من أصحابها عنوة والبناء عليها بتحويل صنفها بجوار القصر الرئاسي ولا من شاف ولا من دري أو هكذا يجري التغافل وربما التنبيه المؤقت العابر الزائل مع تنفيذ وسبق إصرار في تمرير جريمة الفساد! فمن يستطيع الردع!؟

وتتشكل منظومات وهيآت ومؤسسات لـ(مكافحة الفساد) ولكن فعاليتها وأثرها العملي لا ينطبق على مصدر الفساد المتجسد في منظومته ونظام توليده وتكريسه وإدامته! وإنما يقع على صغار الموظفين وعلى المخالفات الهامشية الصغيرة على منطق رفضها أيا كانت طوابعها أو أحجامها…

فمثلا مسكين لا يريد أن يمارس الكدية فيبيع المناديل في الطرقات لأنه طفل نازح لا مصدر لعيشه ووالده مغيَّب أو مختطف أو تمّ تعويقه في الحرب الطائفية، فتأتي سلطة (العدل) المنصفة لتطهر وجه المدينة الناصع من (وبائه!) وهي قادرة على ذلك، لكن واقع نظام الفساد الطائفي لا يستطيع أن يرد للطفل كرامته وحقوقه لا في بيت يأوي إليه ولا حتى بخيمة آمنة وطبعا لا صحة ولا تعليم والأنكى ولا درء (اتجار كبار الفاسدين به سواء جنسيا أم بأعضاء جسده الغض!!) دع عنك غوائل الجوع ومعاني الفقر والجهل!

تستطيع دوائر مكافحة الفساد أن تكتشف سرقة (دينار) من عابر سبيل يبحث عن لقمة خبز لمريض جائع في بيته وتستطيع أن تكافح لا ذباب النفايات بل أطفال النفايات والنساء اللواتي يعملن وإياهم لفرز ما يمكن أن يحرك اقتصادهم ليسد مطالب البطون الخاوية أو يعالج جراحات نازفة!

لكنها بتلك المطاردة لا تنهي الظاهرة من أصلها ولا من فرعها ولا تمنح أولئك المغلوبين على أمرهم بديلا إنما تلمّهم في أقبية لاستغلالهم مؤقتا ومن يرفض ويتحدى يختفي أو يلقى إلى قارعة طرقات الاستغلال من جديد تنهش فيه!

الفساد يشهد إعلانات دعائية ليس استعراضية للقول بانتهاء حتى مجرد رقمٍ أي فاسد يُقدم مؤقتا للمحاسبة والمعاقبة بل لتزكية وجود الحكومة الغطاء على نظام الفساد الذي فاحت عفونته منذ سنوات! وأي ادعاء وأي تزكية بتلك الاستعراضات!؟

 

يقولون أعدنا عشرات ملايين و\أو مئات ملايين وحتى مليارات (للخزينة) ولكن الخزينة بيد مَن؟ وكيف يجري صرفها؟؟ بل كيف تكون أُعيدت للخزينة والخزينة خاوية وباقية كذلكّ؟

في نظام الموازنة؛ الأساس فيها هو الرواتب والأمور التشغيلية ومصدرها ريعي هو أفضل الصيغ للنهب واللصوصية واشكال الفساد.. وما يُعاد بفعل (مؤسسة لمكافحة فساد) يُنتهك ويُسرق من مؤسسة أخرى وعناصرها في ذات النظام! وإلا أين مخرجات الميزانيات وما درجة التنفيذ للمشروعات؟؟؟

وزارة الصحة بلا مؤسسات صحية من مستشفيات ومراكز صحية وحملات لمكافحة الأمراض والأوبئة والمتوطن والمزمن مما يصيب الفقراء الذين باتوا بنسب كارثية لا تحتاج لاستعراض أرقام بعد أنْ بات الشعب بمنطقة الإفقار ومنه الفقر المدقع بهول فجوته وحضيض القاع فيها..! والناس تتحمل الديون والأثقال والأحمال لتتجه إلى بلدان للعلاج مقابل سرقة الكلى وغيرها من أجسادهم المنتهكة المتهالكة…

وزارة  التعليم حققت منجزاً..!!! بتمكنها من إخراج العراق من الاعتراف الرسمي الدولي بالشهادة العراقية بعد أن سجلت انحدارا كارثيا بمستوياته المتدنية أصلا… مشروعات التعليم بين آلاف الأبنية المدرسية المتهالكة ومئات الطينية منها وأخرى المفتوحة في العراء أو بأكواخ الجريد وأغصان الشجر!!! دع عنك مستويات التعليم وآلياته ومنهج تشغيله حيث غزت لا المدرسة ((الدينية)) التعليم بل المقررات والدروس المستندة للخرافة والدجل وإعلاء مشاهد الجنائزيات والموت وطقوس الدفن وكيفية اللطم على القبور لأطفال لم تتجاوز أعمارهم سنوات تعلم الحرف!!!

أية أنواع نفايات ومجمع قاذورات تلك التي يجري فيها استباحة أعمار الصغار بمخدرات تاجرها السيد الزعيم الشاب وهم كُثُر وبالاعتداءات على أجسادهم الغضة واستغلالهم بكل ما يتنافى ووجودهم الإنساني وحقوقه على المجتمع!!

وأي تعليم جامعي ينشغل بإشاعة أشكال الفساد بدءا من المقرر ومنهجه ودرجة الإفهام وأسلوب التلقين الملّائي الكتاتيبي والغش بكل شيء حتى في الامتحان التقويمي وفي العلاقات البينية بين جميع عناصر التعليم المادية والبشرية وتفشي أوبئة التغطية على العلاقات المشبوهة بمسميات يبرأ الضمير الحي منها…

لقد كانت الجامعة العراقية مختلطة ولم يكن بها ما يجري اليوم التركيز على اتهام الاختلاط بالتسبب به! إبعادا للأنظار عن السبب الحقيقي وإفشاء لوسائل السيطرة على الذهنية العامة…

أي فساد بدوائر الماء التي تستبيح البصرة عطشا وتسببا بظمأ ملايين البصريين وتلوث أمواه الشرب في جميع محافظات وطن النهرين والشط وينابيع الماء الزلال! ماذا جرى لتلك المياه لتقتل الزرع والضرع فتبيد عشرات آلاف أطنان السمك وإمراضهم البشر وتسميمهم وتقتيلهم!

أي فساد والأدوية فاسدة والأغذية منتهية الصلاحية وكثيرا ما تكون سامة مسرطنة أو مثيرة لأمراض ما أنزل الله بها من سلطان في بلاد الصحة بلاد الزرع وسواد كثافته يوم كان للعراق غابات بعشرات ملايين النخيل وأشجار الثمار وبساتين جرى ويجري تجريفها بلا وازع من ضمير أحد وهو ينهب!!

أي فساد والثقافة عطلت نهائيا دور السينما وأوقفت مسارحها وهدمت النُّصُب والتماثيل وأبادت موروث الحضارة ليس بمعاول الدواعش حسب بل عاونهم وساندهم ويستكمل جريمتهم المواعش…

أية أشكال فساد والخطط تضع البلاد أسير ديون البنك والصندوق الدوليين بلا رحمة مقابل ديون لا تتجاوز عدة ملايين يرتهن الوطن والناس في ضوئها [بسببها] بمليارات!

اي فساد ذاك الذي يحيل المساعدات الإنسانية إلى جيوب من يسمونهم (ساسة) وهم ليسوا سوى عناصر مافيا قذرة تستبيح الإنسان قبل أشيائه واملاكه وهي تحيل الإنسان إلى شيء مجرد شيء في سوق خردتها!

ودائما يستطيع النظام أن يداور ويناور بفاسديه قبل أن يرسلهم للعيش بعيدا عن وجع الراس فالوزير الفاسد المحكوم بوزارة كذا ينقلونه إلى وزارة كيت والمدير الفاسد بدائرة كيت ينقلونه لدائرة كذا وهكذا دواليك حتى تحاصرهم أصوات الناس المقهورين وصرخاتهم يدفعونه لسجن (فندق) خمس نجوم ثم يرحلونه معززا مكرما إلى حيث يحيا حرا طليقا منتشيا بما سرق وانتهب…

الفساد نظام مجتمعي كلي القدرة والآلية يشتغل بصورة ممنهجة مفضوحة ولكن وسائل مكافحته تعرقلها ألاعيب تعمية وتضليل تصد محاولات (الإصلاح) وتجيرها لتضعها بخدمة حلقات توليدية تجدد في قدرات النظام (الكليبتوقراطي) المفسد! ولا حل غلا بالتغيير وبصرخة : “بِدا ثورة” نعم التغيير الجوهري هو الوحيد للحل وللبديل ولإنهاء اللعبة وجرائمها… فهلا وعينا الأمر!؟

لا أستثني هنا أحدا فالذي يقبل الدوران بآليات نظام الطائفية (الفاسد المفسد) ويتعاطى بها هو جزئية منه ينتمي لكل ما يُرتكب من جرائم..

لا أستثني أحدا لأن الوباء تفشى ومطحنته الجهنمية باتت تدور على الصالح قبل الطالح فتشوهت الأوضاع برمتها!!!

لا أستثني أحدا إلا الشعب المقهور المغلوب على أمره من ملايينه الفقراء فقرا مدقعا أم تحت خط الفقر فهؤلاء هم الطرف الوحيد الذي يتطلع لتشكيل يحمل همومه بلا دجل ولا تضليل ببرامج واضحة لا تنضوي تحت تحالفات التعمية والتبرير والمخادعة وانتهاب حتى قوى إيجابية وتجييرها بوضعها في الجيب الصغير لقوى الطائفية وقشمرياتها…

بالخلاصة الفساد ليس أفراداً قلائل عدد وعدة بل هم قبل ذلك (نظام) متكامل الآليات والنهج تدور آلته الجهنمية لتطحن بهمجيتها لا الأشياء بل البشر بعد أن تصيّرهم بالتجهيل والتضليل مجرد أدوات او مفردات من بين أشيائها التي تتملكها بالاغتصاب واللصوصية والسرقة…

والبديل لا يقوم على مؤسسات هي أدوات لاستكمال وجه النظام الطائفي الكليبتوقراطي بل تغيير النظام ليحرر العبيد ويُخرجهم من أصفاد الإفساد المتأتي بتجهيلهم وتضليلهم وتجييرهم..

بخلاف ذلك فإن كل القرابين ستكون من الشعب وستكون مجرد ذر الملح في العيون كي تستمر التعمية ولعبة الفساد الحقيقية..

في مواضع وحلقات تالية سنضع دراسة الفساد بحلقات مستقلة ومتخصصة في بوابات المحاور التي مرت الإشارة إليها فلنكن معا في التداول والتفكر والتدبر وإلا فلات ساعة مندم!

 

اكتب تعليقًا…
 
  • عبد الحفيظ محبوب اشكرك دكتور على مواصلة مقالاتك التنويرية للضغط على حكومة العراق المحاصصة التي هي شرعنت الفساد لذلك هذه الحكومة لن تقوم بمكافحة الفساد الا بالتوافق المحاصصة لكن المقال توعوي للشعب العراقي رغم انه مهدد بالمليشيات لذلك حكومة المحاصصة ترفض التخلي عن تلك المليشيات فيقوى الجيش عندها هو الذي يقوم بمحاسبة حكومة المحاصصة لذلك هناك توجه لجعل حتى الجيش صورة المحاصصة بدلا من ان يكون جيسيكا وطنيا سلمت مفكرا ومناضلا

     

    • Tayseer A. Al-Alousi ممتن للمرور البهي بديمومة ما يحمل من مشاعل تنويري شامخ.. بلى إن الحكومة تقوم على محاصصة وتوزيع غنيمة بآليات فساد مفضوحة وتلك المحاصصة (التوافقية) تمضي باتجاه إدخال المحاصصة في الجيش إضعافا له وربما استبدالا له بميليشيات تتحكم بالأمور وبالمنتهى لا يحظى الشعب إلا بالاستعباد ومزيد نهب لوجوده وما يملك!! وسنتابع مهما اختلقوا لنا من عقبات فمهمتنا سلمية تنويرية لإنقاذ ما يمكن إنقاه في زمن ابتلى به الناس بكل موبقات فالفاسدين… دمت بهيا صديقي
     

  • Adham Ibraheem هذا كله بسبب غياب القيم الانسانية. وحتى الدينية التي يدعون انهم روادها ومريديها. وشغلوا الناس بالطقوس وبالمظاهر الشكلية وليس بالجوهر. يركزون على الحجاب والاختلاط ويتحدثون بمكافحة الفساد وهناك مجالس وهيئات فارغة دعائية واعلامية. الفساد يعيش في داخل كل المشاركين في العملية السياسية. وكل هذا والدولتين الراعيتين للمسيرة السياسية شاهده وسامعة. وربما هذا جزء من اهداف الاحتلالين
    لك كل التقدير.

     

    • Tayseer A. Al-Alousi مرحى صديقي التنويري العزيز، أتفق تماما أن الأمور تمضي حيث المخادعة بطقسيات متوهمة كاذبة وتلك هي لعبة التعمية والتضليل ومحاولتهم الوصول بالناس لمنطقة خضوع لعبودية المضلل وهي منطقة لا فكاك منها يوم يقدس المرء أصفاد استعباده لحظتها تستباح القيم الإنسانية والأخلاق بأوسع معانيها فتنهار منظومة القيم السامية لتمارس قوى الفساد ظواهر انحطاط وتتابع استباحة كل شيء بل حتى استباحة الإنسان وانتهاك وجوده! دمت بهيا صديقي
     

  • Khairia Al-Mansour الكاتب د. تيسير الآلوسي من زاويته نوافذ واطلالات تنويرية يكتب … المشكلة بنظام الفساد وطابعه لا بقرابين المخادعة تحفظ ديمومته
    Tayseer A. Al-Alousi حسن متعب عبد الحفيظ محبوب Adham IbraheemHusham Kamil 
    رائد الهاشمي Tameem Amjad Tawfiq محمد الساعدي AtHir HaDdad ابوعلي ابوتنك المطيري 
    Faisal Jassim

     

    • Tayseer A. Al-Alousi تحية للصدى نت ولكفاح لإدارتها والبهية الصديقة د. المنصور وهي تتابع مهمة إعلامية صحفية تنويرية معقدة المسار وتحايا للصديقات والأصدقاء من كوكبة المتفاعلين والموجودين هنا أحبة وشموس أنسنة وجودنا

 

 

*

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *