لماذا يدفعون إلى البطالة والفقر؟ وكيف يستغلونها لإدامة نظام الفساد الطائفي؟

مقتبس: “إن مفاقمة ظاهرتي البطالة والفقر تؤدي إلى تحويل طاقات العمل البشرية إلى سوق يكرس منظومة قيم دونية وقدرات لحراسة نظام الطائفية وظلامياته الفكرية وجرائم فساده، فهل ستمر الجريمة!؟”

تورد الأوضاع العراقية باستمرار أخبراً عن تفاقم الأزمات وتراكمها كميا واستفحالها نوعياً. ومن بين تلك الأخبار وركام مآسيها، تلك التي تشير إلى ارتفاع مضطرد بنسب الفقر والبطالة في البلاد.

إنّ طابع نظام ريعي تتمسك به السلطة هو أداتها الفاعلة لتكريس نظامها. وغذا كانت الأمور في الاقتصاد الريعي لها مخرجاتها الأزموية فإن من أوائل تلك المخرجات ظاهرة البطالة. إذ لا وجود لسوق عمل جدي منتج يمكنه استيعاب التعداد السكاني بصورة موضوعية سليمة..

ولأن المحاور الرئيسة للنظام العام من خراب إلى آخر، فإننا نرد الخراب في الزراعة بمختلف مساراته نركز هنا على دفع مزيد من أبناء الريف بخاصة الشبيبة غلى ساحات البطالة حيث تكتظ بهم لا الأرياف بل المدن من دون قدرة استيعابية بخاصة في ضوء طابع العطالة ومن يصل من الريف…

وما يسمى مدارس ومعاهد وجامعات مفتتحة كما افتتاح (جنابر) العلوة أو ما يشبهها تلقي بمخرجاتها شبه الأمية إلى الشوارع المكتظة أصلا أو تضح اختصاصات بلا قراءة حاجة السوق الفعلية للاختصاص أو لقدرات استيعابه أو لمطاردة الحداثة التقنية وما تطلباتها. فيأتي دفق آخر من الشبيبة إلى الميادين مطالبا بالعمل…

الزيادة السكانية وتوقف الحروب الكبرى وعدم استيعاب (المؤسسة العسكرية) وانسحاب مزيد من الشبيبة من الميليشيات بعد افتضاح امرها لهم والكشف عن وضع الشبيبة وقودا لمحارق البلطجة والصراعات المختلقة يؤزّم مشكلة البطالة والعيش..

إدارة الدولة تركن العقول العلمية الخبيرة وتقطع طريق التخطيط والتنمية الحقيقية، فهي لا توظف تلك العقول لإدارة البلاد، بل تأتي بشخصيات لا تمتلك كفاءة فتطيح اكثر بفرص إيجاد الحلول حتى منها الترقيعية، وتلكم هي مشكلة خطيرة قادت وتقود إلى الانهيار، على وفق رؤية متخصصة لقراءة الظواهر الاقتصادية السائدة. وبناء على ذلك فإنّ افتقار البلاد للتخطيط الاستراتيجي وعدم وضع الكفاءات القادرة على التحديث والتنمية زاد الأمور تفاقما حد الشلل التام الشامل..

ولعل آخر المعطيات الإحصائية شبه الرسمية، تقول: إن نسب البطالة في العراق قد فاقت الـ 30% سنة 2018، وتفاقمت في النصف الأول من هذا العام حتى عبرت حواجز ثلث طاقة العمل واقتربت من النصف، دع عنك هنا عن طابع التشغيل الفعلي للموجود في سدة العمل ببطالة مقنّعة…

وإذ تفتقد السر والعوائل لمصادر الدخل والعيش الكريم فإن منافذ أخرى تتبدى بديلة من أجل لقمة العيش فإذا تعرفنا غلى كيف تصل جيوش العاطلين إلى موارد عيش فإننا سنكتشف معنى أن يدفع نظام الفساد الطائفي إلى مزيد بطالة ومزيد نسب فقر وفقر مدقع..

إن العصابات المنظمة وقوى المافيات وتجار المخدرات المرعية جرائمهم من ساسة وعناصر قيادة في الدولة والمجموعات الميليشياوية المسلحة تظل بحاجة لقرابين هم جنودها الذين يكونون على استعداد للتحول إلى قنابل متفجرة بأيدي الفساد مقابل ما يسد حاجات تخلصهم من حياة لا كرامة فيها…

فالمدمن إكراهاً يدرك وضاعة إدمانه ولهذا يرتكب جرائم وضيعة للنيل حتى من ذاته ووجوده فيقدم على ارتكاب جرائم بلا حصر ومثله كل أعضاء الميليشيات الإجرامية بما خضعت له من تدريبات..

أضف إلى ذلك سوقا مهولا صادما بشعا من النساء والأطفال الذين يشكلون سوق الاضطرار والإكراه تحت وطأة ما هو أبعد من العوز والحاجة المادية حيث ظواهر النزوح وفقدان المعيل والحماية المجتمعية بوجود كلاب مسعورة للنهش في لحم المجتمع وكرامته مدربة على تلك الجريمة..

إن الدفع باتجاه البطالة يخدم امتناع من يسطو على الموارد لتجنب دفع مزيد مرتبات يضيفها إلى الأرقام الفضائية التي يصطنعها للنهب والسرقة واللصوصية.. والدفع إلى البطالة يوفر جنودا له بلا مقابل مادي يتناسب وما يرتكب بتلك القرابين الجنود..

يدفعون إلى البطالة توفيرا لسوق للمخدرات ولإفساد حجم أكبر من المجتمع بما يخدم فلسفته وآليات وجود نظامه.. والدفع إلى البطالة ليس تعطيلا لعجلة الإنتاج ففقط لا غير بل تكريس للنظام الريعي ومنعا لمقاومة النظام وآلياته..

والدفع إلى البطالة يوسع حجم الفقر ظاهرة خطيرة تتدنى بالمستويات المعرفية وفرص تشغيل العقل مع إشاعة الروح القدري والإفراط بغيبيات ما جاء بها دين ولكنها ابنة منطق الخرافة وإشاعة التجهيل..

إذن، من يدفع إلى أعلى نسبة بطالة وفقر يريد استغلالهما ومخرجاتهما في تكريس وجوده ونظامه عبر تسويق الخرافة وتمكين الدجل وأضاليل العبث المذهبي الديني من جمهور واسع إلى درجة ينجر بعض التنويريين إلى ركوب مواكب طقسية بذريعة أن يكونوا وسط (الجمهور) متغافلين عن الموقف الاستراتيجي الذي يؤكد أن تلك التكتيكات تكرس فلسفة النظام القائمة على الدجل والخرافة…

إنه دفع إلى حفرتين هاويتين تصير فخاخا للإيقاع بالشعب وقواه أسيرة اللعبة وآلياتها تدور في فلكها مجيَّرة لما يتجه إليه حتى ينتهي من امتصاص خيرات الإنسان والأرض يهرب بالجمل بما حمل ولم يلتفت إلى ما ترك خلفه وكيف تركه..

هذه القراءة الموجزة ليست مطولة من مطولات الشعر الجاهلي ولا دراسة اصطلاحية معقدة كما أنها لا تدعي كمالا ولا شمولا لمحاور الظاهرتين وإنما تقف عند حدود التطلع بقراءتها جرسا أو نواقيس إنذار كيما تدرك شبيبتنا معاني انهيار التعليم وانحطاط مخرجاته ودفعه مئات آلاف الخريجين الجدد بتخصصات لا تغني ولا تسمن وبجموع لا تجد من يستقبلها بعمل..

إن تفعيل الموقف الاستراتيجي ضد ظاهرة البطالة هو موقف ابعد من مطالبة بجهد مقابل أجر إنه مطالبة جدية مسؤولة بحياة حرة كريمة تعني تغييرا استراتيجيا في التخطي والمستهدفات وتعني بصورة أخرى وأبعد من الاقتصاد تغيير النظام بما ينهي اللعبة التي عبثت بحيوات الناس ومصائرهم، حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم..

فهلا تنبهنا للحقائق ودرسناها بصورة معمقة وبذلنا جهدنا متفكرين بما وراء تفاقمها؟ مجرد قرع ناقوس وثقتي بإرادة العقل العلمي في استثمار معرفة بالاقتصاد السياسي المساعد على قراءة المتخفي المتستر خلف حُجُب الخرافة وطقسيات القدسية الزائفة …

  

التعليقات
  • حسن متعب اعتصم المهندسون العاطلون عن العمل امام مقر النقابة ولمدة تزيد عن ثلاثة اسابيع ولم يحرك ذلك شعرة من راس المسؤولين، ثم اعتصم المهندسون العاطلون امام مقر محافظة المثنى وبعد اسبوع تم اقتيادهم الى السجن وبعضهم دفع رشى كي يتم الافراج عنه وقبل ايام اصدرت وزارة الدفاع اعلانا لتعيين الاطباء برتبة نائب عريف في الجيش في حين اغلب القادمة من الضباط الدمج الذي لايقرأ ولا يكتب الكثير منهم.. قضية البطالة ليست نتاجا للاقتصاد الريعي وان كانت احد اهم مخرجاته ولكنها هدف النظام الايراني الذي يريد الثأر من العراق وتدميره وجعله محافظة تابعة له.. وقد نجح في ذلك حيث كل قادة الطوائف مرتمين في الحضن الايراني ومن يخرج عن ذلك الحضن يسمى عميلا لاسرائيل او بعثيا..ومع كل ذلك فمسالة البطالة اشبه بقنبلة موقوتة ستنفجر يوما ما بوجه النظام.. الشعب مع كل القيود التي تحيط به وتجعله ضعيفا راكعا انما يحتاج الى لحظة صحو واحدة ليعبر عن نفسه بشكل لايمكن ان يتخيله الهائمون بالسلطة والثروة اليوم..تحياتي
     
    • Tayseer A. Al-Alousi أرحب بتفاعلك الحيوي المهم واؤكد ما ورد فيه من أن جانبا من السباب يقع بعيدا عن السبب المحايث للبطالة أعني الاقتصاد الريعي سببا جوهريا.. وأجدني أتفق تماما مع فكرة أن جيش العاطلين سيكون قنبلة لكن على من؟ أكيد هنا سيتحدد الجواب في ضوء طابع العطالة ومداها الزمني فبقصير المدى سيكون الأمر ضد من تسبب فيها وببعيده سيدفع لأعراض مرضية خطيرة تتفق وما تفضلت به من كون القنبلة الموقوتة هي لتخريب (كل) شيء حتى الذات الجمعي !!! دمت بهيا
       
       
  • عبد الحفيظ محبوب ايران عليها عقوبات انكمش الناتج المحلي هذا العام اكثر من ٦ في المائة والعام الماضي نحو ٣ في المائة وبلغ صرف العملة الرسمي ٤٢ الف مقابل الدولار لكن في السوق السوداء ١٤٠ الف لكل دولار رغم ذلك الاقتصاد الإيراني البطالة فيه نحو ١٣ في المائة فالمشكلة في العراق المحاصصة التابعة لايران التي تقاسمت ثروات العراق وأوقفت التنمية وتركت المناطق التي دمرتها داعش فالمحنة في العراق كبيرة مقابل ثرواته الكبيرة ما يعني هناك فساد مقرون بفشل اقتصادي سلم قلمك التنويري اخي الدكتور تيسير
     
    • Tayseer A. Al-Alousi كم أسعد لتداخلاتك مثلما معالجاتك التنويرية المهمة وإذ أتفق مع فكرة السطوة السياسية والهيمنة الخارجية ومنها بالتحديد (الإيرانية) فإنني أؤكد سلامة ما ذهبتَ غليه لأن الجارة (…) عمدت منذ البدء على تخريب اي نشاط اقتصادي واخترقت كل بناه وهياكله ودمرت المنتج الوطني حتى منه البسيط مثل إنتاج الخضراوات من الفلاح العراقي لتضخ بديلها ولكن طبعا ليس بسعره المعهود وإنما بأرقام فلكية تمرر العملة الصعبة غليها… وبدوران تلك الفعالية المافيوية تتهالك الأوضاع وتنحدر وأبعد من ذلك حولت مجاري الجداول والأنهر بأكثر من عشرات أربعة لتبور الأرض ثم لتكتسح الفيضانات محاولات الزراعة البدائية وهكذا واقتصاديا أطاحوا بآلاف المشروعات الصغيرة والمتوسطة فيما ضخوا مع عشرات ما يسمونه جامعات مقامة لنهب (الأموال) أقول ضخوا مخرجات ببيوت يسمونها مدارس دينية وجامعات لتلقي بتلك المخرجات في ركام البطالة وهكذا فالمستفيد من الهيمنة هو ضخ ما ينعش الاقتصاد المنهار على حساب شعب بملايين تكاد تصل الأربعين مليون.. سلمت صديقا بهيا وعقلا علميا في القراءة والرصد والتحليل..
       
     

  • Khairia Al-Mansour الكاتب د. تيسير الالوسي من زاويته نوافذ واطلالات تنويرية يكتب .. لماذا يدفعون إلى البطالة والفقر؟ وكيف يستغلونها لإدامة نظام الفساد الطائفي؟ ..

    Tayseer A. Al-Alousi حسن متعب عبد الحفيظ محبوب مشعل ابا الودع الحربي AtHir HaDdad
    Adham Ibraheem Husham Kamil Naeema Gawad ابوعلي ابوتنك المطيري رائد الهاشمي

     

    Tayseer A. Al-Alousi

    Khairia Al-Mansourتحايا لاحبتي في إعلاء شأن الكلمة السامية المدافعة عن الانسان
     

     

    رد واحد
  • Ali Aldelemi مقال رائع جدا بلا شك ولكن من يقرأ ومن يسمع؟؟

     

    Tayseer A. Al-Alousi ممتن لك المرور ولعبارتك من يقرأ ومن يسمع فهي تشمل النظام المسؤول مثلما تشمل الضخية التي ينبغي أن نصلها يوما بصورة ما كيما تصحو مما تُدفع غليه من حفرة الهاوية السحيقة .. وتحياتي

     

    رد واحد
  • Husham Kamil مقال مهم جدا سلط الضوء على اهم مايعانيه العراق بعد العام ٢٠٠٣ البطالة وأسبابها ونسبها التي تتعاظم في البلد وكذلك الفقر في بلد يمكنه ان توافرت النية الصادقة والتخطيط النموذجي لكانت اليد العاملة في أحسن حال لكنه العبث والجهل والتخريب وتدمير الطاقات جلها مقصودة لتدمير الوطن والمواطن
     

     

    • Tayseer A. Al-Alousi أيها الرائع بضمير وطني وعقل علمي وقاد، أتفق تماما في فكرة إعداد قوى العمل وضبط إحصاءات جدية ومعنى سليم لتعريف العاطل عن العمل ودراسة ظاهرة البطالة وخلفياتها والبدائل والحلول بخاصة أن أجهزة حكومة الفساد تختزل البطالة بنسب ضئيلة وأرقام مفبركة تجنبا للاعتراف بالحقيقة .. وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح لكن حيث يكون الشعب على وعي بما يجابه وإدراك للبديل ووسائل الوصول إليه وإلا فإن الحياة لا تنتظر من يقبع بمكامن السلبية.. دمت بهيا فاعلا

 

*

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *